للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الدار الآخرة العلية عند النظر إلى زهرة هذه الدنيا الدنيَّة إلّا مَن هدى اللّهُ قلْبَهُ، وثبَّت فؤاده، وأيّد لُبَّه، وحقق مراده. وما أحسن ما قال بعض السلف: إن اللّه يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند حلول الشهوات.

قال اللّه تعالى: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ لما ذكر اللّه تعالى خروجه في زينته واختياله فيها وفخره على قومه بها قال: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ كما روى البخاري (١) من حديث الزهري عن سالم، عن أبيه، عن النبي قال: "بَيْنَا رَجُلٌ يَجُرُّ إزارَهُ إذْ خُسِفَ بهِ فَهُو يَتَجَلْجَلُ في الأرضِ إلى يَومِ القيامَةِ" ثمّ رواه البخاري (٢) من حديث جرير بن زيد، عن سالم، عن أبي هريرة، عن النبي ، نحوه.

وقد ذُكر عن ابن عباس والسُّدي أن قارون أعطى امرأة بغيًّا مالًا على أن تقول لموسى وهو في ملأٍ من الناس: إنّك فعلت بي كذا وكذا، فيقال: إنّها قالت له ذلك، فأرعد من الفرق، وصلّى ركعتين، ثمّ أقبل عليها فاستحلفها مَنْ دَلّكِ على ذلك وما حملك عليه؟ فذكرت أن قارون هو الذي حملها على ذلك، واستغفرت اللّه، وتابت إليه، فعند ذلك خرّ موسى للّه ساجدًا، ودعا اللّه على قارون، فأوحى اللّه تعالى إليه إني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره، فكان ذلك. فاللّه أعلم (٣).

وقد قيل: إن قارون لما خرج على قومه في زينته مرّ بجحفله (٤)، وبغاله، وملابسه على مجلس موسى وهو يذكّر قومه بأيام اللّه، فلما رآه الناس انصرفت وجوه كثير من الناس ينظرون إليه، فدعاه موسى فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: يا موسى أما لئن كنتَ فُضِّلت عليَّ بالنبوة فلقد فُضِّلتُ عليك بالمال، ولئن شئت لتخرجن فلتدعُوَن عليّ، ولأدعون عليك، فخرج وخرج قارون في قومه، فقال له موسى: تدعو أو أدعو؟ قال: أدعو أنا، فدعا قارون فلم يُجَب في موسى. فقال موسى: أدعو؟ قال: نعم. فقال موسى: اللهم مُرِ الأرض فلتطغى (٥) اليوم، فأوحى اللّه تعالى إليه: إني قد فعلتُ، فقال موسى: يا أرضُ خذيهم، فأخذتهم إلى أقدامهم، ثمّ قال: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، ثمّ إلى مناكبهم، ثمّ قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم، فأقبلت بها حتى نظروا إليها، ثمّ أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوي، فاستوت بهم الأرض.


(١) صحيح البخاري رقم (٣٤٨٥) في الأنبياء، باب (٥٤).
(٢) صحيح البخاري رقم (٥٧٩٠) في اللباس، باب من جرّ ثوبه خيلاء.
(٣) تفسير ابن كثير (٣/ ٤٩٥).
(٤) في ب: بخيله.
(٥) في ب: فلتطعني. وهو أشبه.