للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضهم: لعلّهم الذين وُلدوا في الإسلام ولم يشركوا باللّه شيئًا قطُ، وذكروا أشياء. فخرج إليهم رسول الله فقال: "ما هذا الذي كُنْتُم تَخُوضُوْنَ فيه"؟ فأخبروه بمقالتهم، فقال: "هُمُ الذينَ لا يَكْتَوُوْنَ وَلا يَسْتَرْقُوْنَ وَلَا يَتَطَيَّرُوْنَ وَعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُوْنَ"، فقام عُكاشة بن مِحْصَن (١) الأسدي فقال: أنا منهم يا رسولَ الله؟ قال: "أنْتَ مِنْهُم". ثم قام آخر فقال: أنا منهم يا رسول اللّه؟ فقال "سبَقَكَ بها عُكَاشَةُ" (٢).

وهذا الحديث له طرق كثيرة جدًا، وهو في الصحاح والحسان وغيرها، وسنوردها إن شاء اللّه تعالى في باب صِفَة الجنة عند ذكر أحوال القيامة وأهوالها (٣).

وقد ذكر اللّه تعالى موسى في القرآن كثيرًا، وأثنى عليه وأورد قصته في كتابه العزيز مرارًا وكررها كثيرًا، مطو لة ومبسوطة ومختصرة، وأثنى عليه بليغًا. وكثيرًا ما يقرنه الله تعالى ويذكره، ويذكر كتابه مع محمد وكتابه، كما قال في سورة البقرة ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٠١].

وقال اللّه تعالى: ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [آل عمران: ١ - ٤].

وقال تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [الأنعام: ٩١، ٩٢].

فأثنى تعالى على التوراة، ثمّ مدح القرآن العظيم مدحًا عظيمًا، وقال تعالى في آخرها: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٤، ١٥٥].

وقال تعالى في سورة المائدة: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا


(١) في ط: محيصن. وعكاشة بن محصن بن حرثان الأسدي، صحابي من أمراء السرايا. استشهد في حروب الردة. الإصابة (٢/ ٤٩٤) ترجمة رقم (٥٦٣٢) والأعلام (٤/ ٢٤٤).
(٢) مسند أحمد (١/ ٢٧١)، وفيه اختلاف يسير بالألفاظ.
(٣) في النهاية من هذا الكتاب. وتخريجه ثمة.