للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعفر بن المعتصم محمّد بن الرشيد هارون، ويكنى ابن المعتز، الشاعر أبو العبّاس الهاشميّ العباسيّ، الفصيح (١) البليغ المطبق. وقريش قادة الناس في الخير والشر. وقد سمع المبرِّدَ، وثعلبًا.

وقد رُوي عنه من الحكم والآداب شيء كثير؛ فمن ذلك قوله:

أنفاس الحيِّ خطاه [إلى أجله] (٢). أهلُ الدُّنيا ركْبٌ يُسار بهم وهم نيام. ربَّما أوردَ الطَّمِعُ ولم يصدُرْ. ربَّما شرِقَ شاربُ الماء قبلَ رِيِّه. مَنْ تجاوز الكفَافَ لم يغنِه الإكثارُ. كلَّما عظم قدر المنافسِ فيه عظُمتِ الفَجيعةُ به. من ارْتَحَله (٣) الحِرصُ أضناه (٤) الطَّلَبُ. الحرصُ يُنقص من قدر الإنسان ولا يزيد في حظِّه. أشقى النَّاس أقربُهُم من السُّلطان، كما أنَّ أقربَ الأشياء إلى النار أسرعُها احتِراقًا. مَن شارك السُّلطان في عزِّ الدُّنيا شاركه في ذُلِّ الآخرة. يكفيك (٥) من الحاسد أنه يغتمُّ وقتَ سرورك. الفرصة سريعة الفَوْتِ بعيدةُ العَوْد. الأسرار إذا كثُر خُزَّانُها ازدادت ضياعًا. [ذلُّ] (٦) العَزْل يضحك من تيه الولاية. الجَزَعُ أتعبُ من الصَّبر. لا تشِنْ وَجْهَ العَفْو بالتَّقريع. تَرِكةُ الميت عِزٌّ (٧) للورثة.

ومن شعره في الحكم مما يناسب المعنى الأخير قوله:

سابِقْ إلى مالِكَ وُرَّاثَهُ … ما المرءُ في الدُّنيا بِلَبَّاثِ

كَمْ صامِتٍ (٨) تُخنَقُ أكياسُهُ … قدْ صاح في ميزانِ مِيراثِ (٩)

وله (١٠):

يا ذا الغنَى والسَّطْوةِ القاهِرَهْ … والدَّولةِ النَّاهيةِ الآمِرَه

ويا شياطينَ بني آدمٍ … ويا عَبيدَ الشَّهوةِ الفاجِرَهْ


(١) في ط: كان شاعرًا مطيقًا فصيحًا بليغًا مطبقًا.
(٢) تكملة من المنتظم. وفي آ: خطاياه، وفي ظا: خطأ.
(٣) المنتظم: أرحله. و: ارتحل الحرص: جعله راحلة يركبها، كوسيلة إلى غرضه.
(٤) في ب، ظا: أقصاه الطلب، وفي المنتظم: أنضاه الطلب. وبعدها في ط: وروي: أنضاه الطلب، أي أضعفه، والأول معناه أمرضه.
(٥) في المنتظم: يشفيك.
(٦) زيادة من المنتظم.
(٧) في ب والمنتظم: عزاء. والمنتظم (٦/ ٨٤ - ٨٥).
(٨) في ط: جامع يخنق، وليس بشيء. وفي آ: يخنق. و"الصامِت": الذهب والفضة.
(٩) البيتان في المنتظم (٦/ ٨٧)، ومعاهد التنصيص (٢/ ٤٦).
(١٠) في آ، ظا: قوله. والأبيات في المنتظم (٦/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>