للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال [الحلاج] (١) يومًا لرجلٍ: آمن بي حتى أبعث إليك بعصفورة تأخذ من ذَرْقها (٢) وزن حبة فتضعه على كذا وكذا رطلًا من نحاسٍ فيصير ذهبًا. فقال له الرجل: آمن بي أنت حتى أبعث إليك بفيلٍ إذا استلقى على قفاه بلغت قوائمُه إلى السماء، وإذا أردت أن تخفيه وضعته في إحدي عينيك. قال: فبُهتَ وسكت (٣).

ولما ورد بغداد جعل يدعو إلى نفسه، ويُظهر أشياء من المخاريق (٤) وغيرها من الأحوال الشَّيْطانية، وأكثر ما كان يَرُوج على الرافضة لقلَّة عقولهم [وضعف] (٥) تمييزهم بين الحقِّ والباطل. فاستدعى يومًا برئيس من الرَّافضة، فدعاه إلى الإيمان به، فقال له الرجل: إني رجل أحبُّ النِّساء وإني أصلع الرَّأس، وقد شِبْتُ، فإن أنت أذهبت عني هذا وهذا آمنت (٦) أنك الإمام المعصوم، وإن شئتَ قلتُ إنك نبيٌّ، وإن شئت قلتُ إنك أنت الله. قال: فبُهتَ الحلاج، ولم يحر إليه جوابًا (٧).

قال الشَّيْخ أبو الفرج بن الجَوْزي: كان [الحلاج] (٨) متلونًا كثير التلون، وتارة يَلْبس المُسوح (٩)، وتارة يلبس الدُّرَّاعة (١٠)، وتارة يلبس القَبَاء (١١)، وهو مع كل قوم على مَذْهبهم: إن كانوا سُنَّة أو رافضة أو معتزلة (١٢) أو غير ذلك، ولما أقام بالأهواز وجعل يُنفق من دراهم يخرجها يسميها دراهم القُدْرة، فسئل الشيخ أبو علي الجُبَّائي عن ذلك فقال: إن هذا كله مما يُنال بالحيلة، ولكن أدخلوه بيتًا لا منفذ له، ثم سلوه أن يُخرج لكم جُرْزتين (١٣) منْ شوك. فلما بلغ الحلاج كلام أبي علي الجُبَّائي فيه تحول من الأهواز (١٤).


(١) ما بين حاصرتين من (ط).
(٢) ذرق الطائر: خرؤه. اللسان (ذرق).
(٣) تاريخ بغداد (٨/ ١٢٦).
(٤) في (ط): من المخاريق والشعوذة.
(٥) ما بين حاصرتين من (ط).
(٦) في (ط): آمنت بك وأنك الإمام.
(٧) تاريخ بغداد (٨/ ١٢٤ - ١٢٥).
(٨) ما بين حاصرتين من (ط).
(٩) ثياب تنسج من شعر الماعز. المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب لدوزي (٣٢٧ - ٣٢٩).
(١٠) الدراعة: لباس كان يعمل من الصوف، مفتوح من الجهة الأمامية بأعلى القلب، ومزررة بأزرار وعرى، ويبدو أنه كان لباس عامة الشعب. المرجع السابق (١٤٦ - ١٤٨).
(١١) لباس ذوي السلطان من أمراء أو قواد، وليس ثمة وصف دقيق له. رسوم دار الخلافة (٩١ - ٩٢) والعجم المفصل (٢٩١ - ٢٨٤).
(١٢) في (ط): أو معتزلة أو صوفية أو فساقًا أو غيرهم.
(١٣) الجرزة: الحزمة. "اللسان" (جرز).
(١٤) المنتظم (٦/ ١٦١) لابن الجوزي كتاب جمع فيه أخبار الحلاج سماه: القاطع لمجال اللجاج القاطع بمحال الحلاج، لم يصل إلينا بعد، ولعل ابن كثير نقل هذا الخبر منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>