للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعمره يوم مات إحدى وثلاثون سنة وعشرة أشهر. وكان أسْمَرَ رقيقَ السُّمْرة، دُرِّيَّ اللَّوْن، أسودَ الشعر سَبْطَه، قصيرَ القامة، نحيفَ الجسم، في وجهه طُول، وفي مقدَّم لحيته تمام، وفي شَعْرِها رِقَّة. هكذا وصفه من شاهده.

قال الخطيب البغدادي: كان للرَّاضي فضائل كثيرة، وختم الخلفاء في أمور عِدَّة، منها: أنه آخر خليفة له شِعْر، وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش والأموال، وآخر خليفة خَطَبَ على منبرٍ يومَ الجمعة، وآخر خليفة جالس الجلساء ووصل إليه الندماء، وآخر خليفة كانت نفقته وجوائزه وعطاياه وجراياته وخزائنه ومطابخه ومجالسه وخدمه وحجَّابه وأموره، كل ذلك يجري على ترتيب المتقدِّمين من الخلفاء (١).

وقال غيره: كان فصيحًا بليغًا كريمًا جَوَادًا ممدَّحًا، ومن جيد كلامه الذي سمعه منه محمدُ بنُ يحيى الصُّولي: لله أقوامٌ هم مفاتيح الخير، وأقوام هم مفاتيح الشر، فمن أراد الله به خيرًا قصد به أهل الخير، وجعله الوسيلة إلينا فنقضي حاجته، فهو الشَّريك في الثَّواب والشكر. ومن أرادَ الله به شَرًّا عَدَلَ به إلى غيرنا، فهو الشَّريك في الوِزْر والإثم، والله المستعانُ على كلِّ حال (٢).

ومن ألطف الاعتذارات ما كتب به الرَّاضي إلى أخيه المتقي وهما في المكتب - وكان المتقي قد اعتدى على الرَّاضي والراضي هو الكبير منهما - فكتب إليه الراضي: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا معترف لك بالعبودية فرضًا، وأنت معترفٌ لي بالأخوة فَضْلًا، والعَبْدُ يذنب والمَوْلى يعفو، وقد قال الشَّاعر:

يا ذا الذي يغضبُ من غير شيّ … اعتبْ فَعَتْبَاك حبيبٌ إليّ

أنتَ - على أنَّكَ لي ظَالمٌ - … أعزُّ خَلْقِ الله طُرًّا عليّ

قال: فجاء إليه أخوه المتقي، فأكبَّ عليه يقبِّل يديه، وتعانقا واصطلحا (٣).

ومن لطيف شعره قوله فيما ذكره ابنُ الأثير في "الكامل":

يَصْفرُّ وَجْهي إذا تأمَّلَهُ … طَرْفي ويحمَرُّ وجهُهُ خَجَلا

حتى كأنَّ الذي بِوَجْنتهِ … منْ دَمِ جِسْمي إليه قد نُقِلا (٤)

قال: ومما رثى به أباه المقتدرَ قوله:

ولو أنَّ حَيًّا كان قَبْرًا لميِّتٍ … لَصَيَّرتُ أحشائي لأعْظُمهِ قبْرا


(١) تاريخ بغداد (٢/ ١٤٣).
(٢) المصدر السالف، والمصباح المضيء لابن الجوزي ١/ ٥٧٨ - ٥٧٩.
(٣) انظر تاريخ بغداد (٢/ ١٤٤).
(٤) الكامل (٨/ ٣٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>