للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جدًا لا يقوم بمثلها حجة في الدين، والحكايات لا يخلو أكثرها عن ضعف في الإسناد. وقصاراها أنها صحيحة إلى من ليس بمعصوم من صحابي أو غيره لأنه يجوز عليه الخطأ. والله أعلم.

وقال (١) عبد الرزاق أخبرنا مَعْمَر، عن الزُّهْري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة أن أبا سعيد قال: حدثنا رسول الله حديثًا طويلًا عن الدجَّال، وقال فيما يحدثنا: يأتي الدجّال وهو مُحَرَّم عليه أن يدخل تقاب المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجلٌ هو خير الناس أو من خيرهم، فيقول: أشهدُ أنك أنت الدجّال الذي حدّثنا عنك رسول الله بحديثه. فيقول الدجّال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكّون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيقتله ثم يُحييه، فيقول حين يحيا: والله ما كنتُ أشدَّ بصيرة فيك مني الآن. قال: فيريد قتله الثانية فلا يُسلَّط عليه. قال مَعْمَر: بلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة نحاس. وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجّال ثمّ يُحييه.

وهذا الحديث مخرج في "الصحيحين" من حديث الزُّهري، به (٢).

وقال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سُفيان الفقيه الراوي عن مسلم: الصحيح أن يقال: إن هذا الرجل الخضر. وقول معمر وغيره: "بلغني"، ليس فيه حجة. وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث: فيأتي بشابٍ ممتلئ شبابًا فيقتله، وقوله: "الذي حدّثنا عنه رسول الله " لا يقتضي المشافهةَ، بل يكفي التواتر.

وقد تصدَّى الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه (عُجالة المنتظِر في شرح حال الخضِر) للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات، فبيَّن أنها موضوعات، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم، فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها وجهالة رجالها، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد.

وأما الذين ذهبوا إلى أنه قد مات، ومنهم البخاري، وإبراهيم الحربي، وأبو الحسين بن المنادي، والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي؛ وقد انتصر لذلك وصنَّف فيه كتابًا سماه (عجالة المنتظِر في شرح حال الخضر)، فيحتج لهم بأشياء كثيرة. منها قوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] فالخضر إن كان بشرًا فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح. والأصل عدمه حتى يثبت، ولم يذكر ما فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله. ومنها أن الله تعالى قال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٨١]


(١) في ب: قال. والحديث في مصنف عبد الرزاق (١١/ ٣٩٣) رقم (٢٠٨٢٤).
(٢) أخرجه البخاري في الحج (١٨٨٢)، وفي الفتن (٧١٣٢) من طريق عقيل وشعيب، عن الزهري. وأخرجه مسلم في الفتن (٢٩٣٨) (١١٢) من طريق صالح بن كيسان عن الزهري.