للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأسرته الروم، واستحوذوا على جميع حواصله وأمواله، وكانت كثيرة جدًّا، ثم مالوا على السواحل، فملكوا ثمانية عشر منبرًا (١) سوى القرى، وتنصَّر خَلْق كثير على أيديهم [لعنهم الله] (٢)، وجاؤوا حمص فحرقوا ونهبوا، ومكث ملك الرُّوم شهرين، فأخذ ما شاء من البلاد، وأسر من قدر عليه من العباد، وصارت له مهابة عظيمة في قلوب النَّاس، ثم عاد إلى بلاده ومعه من السَّبي نحو من مئة ألف صبيٍّ وصبية، وكان سبب عوده إلى بلاده كثرة الأمراض في جيشه، واشتياقهم إلى أولادهم وأهليهم وأوطانهم، وبعث سريةً إلى الجزيرة، فنهبوا وسبوا، وكان قرغويه غلام سيف الدولة قد استحوذ على حلب، وأخرج منها ابنَ أستاذه أبا المعالي شريف بن سيف الدولة، فسار إلى حَرَّان وهي تحت حكمه، فأبوا أن يدخلوه إليهم، فذهب إلى أمه بميَّافارِقين، وهي ابنة سعيد بن حَمْدان، فمكث عندها حينًا، ثم سار إلى حماة فملكها، ثم عاد إلى حلب بعد سنتين كما سنذكره فيما بعد، ولما عاثتِ الروم في هذه السنة بالشَّام صانعهم قرغويه عن حلب، وبعث إليهم بأموالٍ وتحف، ثم عادوا إلى أنطاكية فملكوها وقتلوا خلقًا كثيرًا بها، وسبوا عامة أهلها، وركبوا إلى حلب وأبو المعالي محاصر غلامه قرغويه، فخافهم أبو المعالي، فهرب عنها وحاصرها الرُّوم فأخذوا البلد، وامتنعت القلعة عليهم، ثم اصطلحوا مع قرغويه على هدنة مؤبدة ومال يحمله كل سنة، وسلَّموا إليه البلد، ورجعوا عنه.

وفي هذه السنة خرج على المعز الفاطمي وهو بإفريفية رجلٌ يقال له أبو خزر، فنهض إليه المعز بنفسه وجنوده فهرب منه، فأرسل في طلبه يوسف بُلُكين (٣) بن زيري، فردَّه وطرده، ثم عاد فاستأمن، فقبل منه المعز ذلك، وصفح عنه.

وجاء الرسول من جوهر القائد إلى المعز في هذه السنة يبشِّره بفتح الديار المصرية وإقامة الدعوة لهم فيها، وطلبه إليه، ففرح بذلك المعز الفاطمي فرحًا شديدًا وامتدحه الشعراء، فكان ممن امتدحه شاعره محمد بن هانئ في قصيدةٍ أولها:

يقول بنو العَبَّاس هل فُتِحتْ مِصْرُ … فَقُلْ لبني العَبَّاس قد قُضِيَ الأَمْرُ

وذكر ابنُ الأثير أن في هذه السنة توفي النقفور الذي كان دُمَستقًا ثم صار ملك الروم، وأراد قتل ابني الملك الذي كان قبله، فغارت أمهما له، فقتلته غيلة. قال: وقد كان هذا اللعين من أبناء المسلمين، كان أبوه من أهل طَرَسُوس من خيار المسلمين يعرف بابن الفقَّاس، فتنصَّر هذا الكلب، وحظي عند النصارى حتى صار من أمره ما صار، وكان من أشدِّ الناس على المسلمين، وقد أخذ بلادًا كثيرًا عَنْوةً؛


(١) أي بلدًا، لأن المنبر لا يقام إلا في مسجد تقام به صلاة الجمعة.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) في (ح): يوسف بن بلكين بن زيري، وهو وهم، والمثبت من (ب)، وانظر وفيات الأعيان (١/ ٢٨٦ - ٢٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>