للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إفريقية وما والاها من بلاد المغرب، فلما كان سنة ثمانٍ وخمسين وثلاثمئة، بعث بين يديه جوهرًا القائد، فأخذ له البلاد المصرية من كافور الإخشيدي بعد حروب تقدَّم ذكرها (١)، واستقرَّت يد جوهر القائد عليها، فبنى القاهرة المُعِزِّية وبنى منزل الملك وهما القصران (٢)، ثم أقيمت الخطبة للمعز في سنة ثنتين وستين وثلاثمئة، وقدم المعز - كما ذكرنا (٣) - في جحافل عظيمة، ومعه الأمراء من المغاربة والأكابر والقواد، وحين نزل الإسكندرية تلقَّاه وجوه الناس، فخطبهم فيها خطبة بليغة، افتخر فيها بنسبه وملكه، وادَّعى أنه يعدل وينصف المظلوم من ظالمه وأن الله قد رَحِمَ الأمة بهم، واستنقذهم من أيدي الظلمة إلى عدلهم وإنصافهم، وهو مع ذلك يدَّعي ظاهر الرِّفْض، ويبطن - كما قال القاضي الباقِلَّاني (٤) - الكفر المحض، وكذلك أهل طاعته ومن نصره ووالاه، واتبعه في مذهبهم، قبحهم الله تعالى وإياه.

أحضر إلى بين يديه الزاهد العابد [الورع النَّاسك] (٥) التقي أبا بكر النَّابُلُسي (٦)، فأوقف بين يديه فقال له المعز: بلغني أنك قلت: لو كان معي عشرة أسهم لرميت الرُّوم بسهم ورميت المصريين بتسعة. فقال: ما قلتُ هذا. فَظَنَّ أنه قد رجع [عن قوله] (٧) فقال: كيف قلت؟ قال: قلتُ ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر. قال: ولم؟ قال: لأنكم غيَّرْتم [دين] (٨) الأمة، وقتلتم الصَّالحين، وادَّعيتم (٩) نور الإلهية، [وادعيتم ما ليس لكم] (١٠) فأمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضرب بالسياط في اليوم الثاني ضربًا شديدًا مبرحًا، ثم أمر به فسلخ في اليوم الثالث، فجيء بيهودي، فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن. قال اليهودي: فأخذتني رِقَّة عليه، فلما بلغتُ تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات، رحمه الله تعالى، فقيل له الشهيد، وإليه ينسب بنو الشهيد من أهل نابلس إلى اليوم، [ولم تزل فيهم بقايا خير] (١١).


(١) انظر حوادث سنة (٣٥٨ هـ).
(٢) في (ح): ونزل الملك المكان المسمَّى بالقصرين، وفي (ب) وبنى منزل الملك المكان الذي المسمى بالقصرين، والمثبت من (ط).
(٣) انظر حوادث سنة (٣٦٢ هـ).
(٤) وذلك في كتابه "كشف الأسرار الباطنية" وهو من الكتب التي لما تصلنا بعد.
(٥) ما بين حاصرتين من (ط).
(٦) انظر حاشيتنا على حوادث سنة (٣٦٣ هـ).
(٧) ما بين حاصرتين من (ط).
(٨) ما بين حاصرتين من (ط).
(٩) في (ط): وأطفأتم.
(١٠) ما بين حاصرتين من (ط).
(١١) ما بين حاصرتين من (ط).

<<  <  ج: ص:  >  >>