للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أسباط، عن السدّي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ قالوا: كانت قرية يقال لها: دَاوَرْن (١) قِبَل واسط وقَع بها الطاعون فهرب عامة أهلها، فنزلوا ناحية منها، فهلك من بقى في القرية وسَلِم الآخرون فلم يمت منهم كثير، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذيت بقوا: أصحابُنا هؤلاء كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا بقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم. فوقع في قابل فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفًا، حتى نزلوا ذلك المكان، وهو واد أفيَح (٢)، فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخرُ من أعلاه: أن موتوا، فماتوا حتى إذا هلكوا، وبقيت أجسادهم مرَّ بهم نبي يقال له: حِزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكّر فيهم ويلوي شدقيه وأصابعه، فأوحى الله إليه: تريد أن أُريك كيف أحييهم؟ قال: نعم. وإنما كان تفكره من قدرة الله عليهم. فقيل له: نادِ، فنادى يا أيتها العظام إن الله لأمرك أن تجتمعي، فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادًا من عظام، ثمّ أوحى الله إليه أن نادِ: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحمًا، فاكتست لحمًا ودمًا، وثيابها التي ماتت فيها. ثم قيل له: ناد، فنادى: أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي، فقاموا. قال أسباط: فزعم منصور عن مجاهد أنّهم قالوا حين أُحيوا: سبحانك اللهم ويحمدك لا إله إلا أنت، فرجعوا إلى قومهم أحياء يُعرفون أنهم كانوا موتى، سَحْنَةً (٣) الموت على وجوههم، لا يلبسون ثوبًا إلا عاد كفنًا وسخًا (٤) حتى ماتوا بآجالهم التي كُتبت لهم (٥).

وعن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف. وعنه: ثمانية آلاف. وعن أبي صالح: تسعة آلاف. وعن أبن عباس أيضًا: كانوا أربعين ألفًا.

وعن سعيد بن عبد العزيز: كانوا من أهل أذْرِعات (٦). وقال ابن جريج عن عطاء: هذا مَثَل، يعني أنه سيق مثلًا مبينًا أنه. "لن يغنى حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ" (٧)، وقول الجمهور أقوى إن هذا وقع (٨).


(١) في أ و ب وراوردان وفي بعض النسخ: دراوَرْدان، وأثبتنا ما في ط. وهو موافق لما في المطبوع من تاريخ الطبري، ومعجم البلدان، وفيه: داوَردان: .. من نواحي شرقي واسط، بينهما فرسخ. ثم أورد رأي ابن عباس وتفسيره للآية: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ .. ﴾.
(٢) الأفيح: كل موضع واسع.
(٣) السحنة: الهيئة واللون والحال.
(٤) في ب، والطبري: دسما وفي ط: إلا عاد رسمًا حتى ماتوا. والدسم: الدنس والوسخ.
(٥) تاريخ الطبري (١/ ٤٥٧ - ٤٥٩).
(٦) مدينة في اْطرإف الشام، تبعد عن دمشق نحو (١٠٠) كيلو متر جنوبًا تعرف اليوم ب: درعا.
(٧) قطعة من حديث، جرت مجرى المثل. تقدم تخريجها.
(٨) أورد الطبري في تفسيره (٢/ ٣٦٥ - ٣٦٩)، معظم الآراء التي قيلت في تفسير هذه الآية وعددهم.