للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقول السدّي إن عدة الجيش كانوا ثمانين ألفًا، فيه نظر، لأن أرض بيت المقدس لا تحتمل أن يجتمع فيها جيش مقاتلة يبلغون ثمانين ألفًا. والله أعلم (١).

قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ أي: استقلّوا أنفسَهم واستضعفُوها عن مقاومة أعدائهم بالنسبة إلى قلّتهم وكثرة عدد عدوهم. ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ يعني بها: الفرسان منهم (٢). والفرسان أهل الإيمان والإيقان الصابرون على الجِلَاد (٣) والجدال والطِّعان.

﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ طلبوا من الله أن يُفرغ عليهم الصبرَ، أي: يغمُرُهم به من فوقهم فتستقر قلوبهم ولا تقلق، وأن يثبِّت أقدامهم في مجال الحرب ومعترك الأبطال وحَومة الوغى، والدعاء إلى النِّزال، فسألوا التثبّت الظاهرَ والباطنَ، وأن يُنزل عليهم النصر على أعدائهم، وأعدائه من الكافرين الجاحدين بآياته وآلائه، فأجابهم العظيم الفدير السميع البصير الحكيم الخبير إلى ما سألوا، وأنالهم ما إليه فيه رغبوا، ولهذا قال: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي: بحول الله لا بحولهم، وبقوة الله ونصره لا بقوتهم وعددهم مع كثرة أعدائهم وكمال عددهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٣].

وقوله تعالى: ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ فيه دلالة على شجاعة داود ، وأنه قتله قتلًا أَذَلّ به جُنْدَهُ وكسره، ولا أعظم من غزوة يُقتَل مَلِكُ عدوّها فَيُغْنَمُ بسبب ذلك الأموال الجزيلة، ويُؤسَر الشجعان والأقران (٤)، وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان، ويُدالُ أولياء الله على أعدائه، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه.

وقد ذكر السُّدّي فيما يرويه أن داود كان أصغر أولاد أبيه، وكانوا ثلاثة عشر ذكرًا، وكان سمع طالوتَ ملك بني إسرائيل وهو يُحرّض بني إسرائيل على قتل جالوت وجنوده وهو يقول: من قتل جالوت زَوّجْتُه بابنتي، وأشركته في ملكي، وكان داود يرمى بالقَذَّافة، وهو المقلاع، رميًا عظيمًا، فبينا هو سائر مع بني إسرائيل إذ ناداه حَجَر أن خُذني فإنّ بي تَقْتل جالوتَ، فأخذه. ثم حجر آخر كذلك، ثم آخر كذلك. فأخذ الثلاثة في مِخْلاته. فلما تواجه الصفّان برز جالوتُ ودعا إلى نفسه، فتقَّدم


(١) للطبري رأي في من جاوز مع طالوت النهر (٢/ ٣٩٤).
(٢) في ب: يعني بهم الشجعان منهم.
(٣) في ب: الجهاد. والجلاد: الضرب بالسيف في القتال.
(٤) في ب: ويؤسر الشجعان والأبطال. وفي ط: ويأسر الأبطال والشجعان والأقران.