للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعمركَ ما شجاني رسمُ دارٍ … وقفتُ بهِ ولا ذِكر (١) المغاني

ولا أثَرُ الخيامِ أراقَ دمْعي … لأجلِ تَذكّري عهدَ الغواني

ولا مَلَكَ الهوى يومًا قِيادي … ولا عاصيتُهُ فثنَى عِنَاني

عرفتُ فعالَهُ بذوي التّصابي … وما يلقونَ من ذلّ الهوانِ

فلم أطمعْهُ فيّ وكمْ قتيلٍ … لهُ في النّاسِ ما يحصى دعاني

طلبتُ أخًا صحيحَ الودِّ مخصًا (٢) … سليمَ الغيبِ محفوظ (٣) اللِّسانِ

فلم أعرفْ مِنَ الإخوانِ إلا … نِفاقًا في التَّباعدِ والتداني

وعالَمُ دهرِنا لا خير فيهِ … ترى صُورًا تروقُ بلا مَعاني

ووصفُ جميعهمْ هذا فما أن … أقولَ سوى فلانٍ أو فلانِ

ولمّا لم أجدْ حرًّا يواتي … على ما نابَ من صرفِ الزمانِ

صبرتُ تكرّمًا لقراعِ دهري … ولم أجزعْ لما منه دهاني

ولم أكُ في الشدائدِ مُستكينًا … أقولُ له ألا كُفّي كَفانِي

ولكنّي صليبُ العُودِ عودٌ … ربيطُ الجأش مجتمعُ الجنان

أبيّ النّفسِ لا أختار رِزقًا … يجيء بغير سيفي أو لساني (٤)

فعزٌّ في لظى باغيه يثوي (٥) … ألدُّ من المذلَّةِ في الجِنانِ

وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في "تاريخه" ترجمة حسنة كعادته، وأورد من شعره قوله:

لا تغبطنَّ أخا الدنيا لعيشته (٦) … ولا لِلذَّةِ وقتٍ عَجَّلتْ فَرَحا

فالدّهرُ أسرعُ شيءٍ في تقلُّبهِ … وفِعْلُهُ بيّنٌ للخَلق قد وَضَحا

كمْ شاربٍ عَسلًا فيه منيّتُه … وكم تقلَّد سيفًا مَنْ به ذُبحا (٧)

وقد كانت وفاته يوم الإثنين ضحى السابع من ذي الحجة من هذه السنة، وله ثنتان وسبعون سنة في حجرة كان يسكنها بدرب السلسلة، جوار المدرسة النظاميّة، واحتفل الناس بجنازته، وحمل [نعشه]


(١) في (ط): رسم.
(٢) في (ط): محظى.
(٣) في المنتظم: مأمون.
(٤) في (ب) و (ط) والمنتظم: سنأتي.
(٥) في (ط): يهوى، وفي المنتظم: يشوى.
(٦) في (ب) وتاريخ دمشق: لزخرفها.
(٧) تحرف الشطر الثاني في (ط) إلى: وكم مقلّد سيفًا من قربه ذبحا.

<<  <  ج: ص:  >  >>