للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محافظًا على الصلوات في أول الوقت [لا يشغله بعد الأذان شغل عنها] (١) ويواظب على صوم الإثنين والخميس، وله [الأوقاف الدارّة] والصدقات البارَّة.

وكان يعظّم الصوفيّة تعظيمًا زائدًا، فعوتب في ذلك فقال: إني كنت أخدم بعض الأمراء فجاء بي يومًا إنسان فقال: اخدم من ينفعك خدمته، إلى متى تخدم من تأكله الكلاب غدًا، فلم أفهم ما يقول. فاتفق أن ذلك الأمير سكر تلك الليلة، وخرج في أثناء الليل وهو ثمل، وكانت له كلاب تفترس الغرباء باللّيل، فلم تعرفه فمزّقته، فأصبح وقد أكلته الكلاب، قال: فأنا أطلب مثل ذلك الشيخ.

وقد سمع الحديث في أماكن شتى ببغداد وغيرها، وكان يقول: [إني لأعلم] أني لست بأهلٍ للرواية، ولكن أحب أن أربط في قطار نَقَلَةِ حديث رسول الله .

وقال أيضًا: رأيت [ليلة] في المنام إبليس فقلت له: ويحك! خلقك الله وأمرك بالسجود له مشافهةً، فأبيت، وأنا لم يأمرني بالسجود له مشافهة، وأنا أسجد له في كلِّ يوم مرات، وأنشأ يقول:

منْ لمْ يكُنْ للوِصَالِ أهْلًا … فكُلُّ إحسانِه ذُنُوبُ

[وقد أجلسه المقتدي مرة بين يديه وقال له: يا حسن، رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين عنك.

وقد ملك ألوفًا من الترك] (٢)، وكان له بنون كثرِة، وَزَرَ منهم خمسة، وزر ابنه أحمد للسلطان محمد بن ملك شاه، ولأمير المؤمنين المسترشد بالله. وخرج نظام المُلْك مع السلطان من أصبهان قاصدًا بغداد، في مستهلّ رمضان من هذه السنة، فلما كان اليوم العاشر اجتاز في بعض طريقه بقرية بالقرب من نَهاوند، [وهو يسايره في محفّة] فقال: قد قتل هاهنا خلق من الصحابة زمن عمر ، فطوبى لمن يكون عندهم، فاتفق أنّه لما أفطر جاءه صبيّ في هيئة مستغيث ومعه قصّة، فلما انتهى إليه ضربة بسكِّين في فؤاده وهرب، فعثر بطنب الخيمة، فأُخذ فقتل، ومكث نظام المُلْك ساعة، وجاءه السلطان يعوده، فمات وهو عنده [وقد اتُّهم السلطان في أمره أنّه هو الذي مالأ عليه، فلم تطل مدته بعده سوى خمسة وثلاثين يومًا فكان في ذلك عبرة لأولي الألباب. [وكان قد عزم على إخراج الخليفة أيضًا من بغداد، فما تمّ له ما عزم عليه، ولما بلغ أهل بغداد موت النظام حزنوا عليه، وجلس الوزير والرؤساء للعزاء ثلاثة أيام] ورثاه الشعراء بقصائد، منهم مقاتل بن عطيّة:

كانَ الوزيرُ نظامُ المُلْكِ لؤلؤةً … يتيمةً صاغَها الرحمنُ من شَرَفِ

عزَّتْ فلم تعرِفِ الأيامُ قيمتَها … فردَّها غَيْرةً منهُ إلى الصَّدَفِ


(١) زيادة من (ب) و (ط).
(٢) زيادة من (ب) و (ط). والعبارة في الوفيات (٤/ ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>