للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال مكحول والأوزاعي: بل هو حُكم مُحْكَم إلى اليوم؛ أنه يجوز تأخيرها بعذر القتال الشديد، كما ذكرنا تقرير ذلك في سورة النساء عند صلاة الخوف.

وقال آخرون: بل كان تأخير النبي صلاة العصر يوم الخندق سهواً نسيانا، وعلى هذا فَيُحمَل فعلُ سليمان على هذا. واللّه أعلم.

وأما من قال: الضمير في قوله: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ عائد على الخيل، وأنه لم يفته وقت صلاة، وأن المراد بقوله: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ يعني مسح العرق عن عراقيبها وأعناقها، فهذا القول اختاره ابن جرير، ورواه الوالبي عن ابن عباس في مسح العرق. ووجَّه هذا القول ابنُ جرير بأنه ما كان لِيعذَّبَ الحيوانَ بالعرقبة، ويهلك مالًا بلا سبب ولا ذنب لها (١).

وهذا الذي قاله فيه نظر، لأنه قد يكون هذا سائغاً في ملّتهم. وقد ذهب بعض علمائنا إلى أنه إذا خاف المسلمون أن يظفر الكفار على شيء من الحيوانات من أغنام ونحوها جاز ذبحُها وإهلاكها لئلا يتقوَّوا بها عليهم، وعليه (٢) حُمل صنيع جعفر بن أبي طالب يومَ عَقَر فرسه بمؤته (٣). وقد قيل: إنها كانت خيلاً عظيمة. قيل: كانت عشرة آلاف فرس. وقيل: عشرين ألفَ فرس. وقيل: كان فيها عشرون فرساً من ذوات الأجنحة.

وقد روى أبو داود في " سننه ": حدّثنا محمد بن عوف، حدّثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، حدّثني عُمارة بن غَزيَّة أن محمد بن إبراهيم حدّثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: قدم رسول الله من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سَهْوَتها (٤) سِتْر، فهبَّت الريح فكشفت ناحية الستر عن بناتٍ لعائشة لُعَب، فقال: " ما هذا يا عائشةُ " فقالت: بناتي. ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع فقال: " ما هذا الذي أرى وسْطَهنَّ "؟ قالت: فرس. قال: " وما الذي عليه هذا"؟ قالت: جناحان. قال: " فرسٌ له جناحان "؟ قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه (٥).

وقال بعض العلماء: لما ترك الخيلَ للّه عوَّضَه اللّهُ عنها بما هو خير له منها، وهو الريح التي كانت غُدُوُّها شهرٌ ورَواحها شهر، كما سيأتي الكلام عليها.


(١) تفسير الطبري (٢٣/ ١٠٠).
(٢) في أ: لئلا ينفروا بها، وعليه … وفي ط: لئلا يتقووا بها، وعليه .. وأثبتنا ما في ب.
(٣) خبر غزوة مؤتة، وعرقبة جعفر بن أبي طالب فرسه، في المغازي (٢/ ٧٥٥)، وما بعدها.
(٤) السهوة: بيت صغير منحدر في الأرض قليلاً، شبيه بالمخدع والخزانة. وقيل: هو كالصُّفَّة تكون بين يدي البيت. وقيل: شبيه بالرف أو الطاق يوضع فيه الشيء. النهاية (٢/ ٤٣٠).
(٥) أخرجه أبو داود: رقم (٤٩٣١)، في الأدب: باب (٦٢) في اللعب بالبنات.