للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما قال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة وأبي الدهماء، وكانا يكثران السفر نحو البيت قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله فجعل يعلّمني مما علّمه الله ﷿، وقال: "إنّكَ لا تَدَعُ شَيْئاً اتّقاءَ اللّهِ ﷿ إلّا أَعْطاكَ اللّهُ خَيْراً مِنْهُ" (١).

وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤)﴾: ذكر ابن جرير (٢)، وابن أبي حاتم وغيرهما من المفسرين هاهنا آثاراً كثيرة عن جماعة من السلف، وأكثرها أوْ كلُّها متلقَّاة من الإسرئيليات، وفي كثير منها نكارة شديدة. وقد نبهنا على ذلك في كتابنا "التفسير" (٣)، واقتصرنا هاهنا على مجرّد التلاوة.

ومضمون ما ذكروه أن سليمان غاب عن سريره أربعين يوماً ثمّ عاد إليه. ولما عاد أمر ببناء بيث المقدس فبناه بناءً مُحْكماً. وقد قدَّمْنا أنه جدَّده، وأن أول من جَعله مسجداً إسرائيلُ كما ذكرنا ذلك عند قول أبي ذر: قلت: يا رسول الله أيُّ مسجد وضع أوّل؟ قال: " المسْجِدُ الحَرَامُ ". قلت: ثم أي؟ قال: " مَسْجِدُ بَيْتِ المْقدِسِ ". قلت: كم بينهما؟ قال: " أرْبَعُونَ سَنةً" (٤). ومعلوم أن بين إبراهيم الذي بنى المسجد الحرام وبين سليمان بن داود أزيد من ألف سنة، دع أربعين سنة، وكان سؤاله المُلْك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بعدَ إكماله بناء بيت المقدس كما قال الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبّان، والحاكم، بأسانيدهم عن عبد الله بن فيروز الديلمي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله "إنَّ سُلَيمانَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ المَقْدِسِ سَأَلَ رَبَّهُ ﷿ خِلالًا ثلاثاً فأَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ، ونَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَنا الثالِثَةُ، سَأَلَهُ حُكْماً يُصَادِفُ حُكْمَهَ فَأَعْطَاهُ إياهُ، وسَأَلَهُ مُلْكاً لا يَنْبَغي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فأعْطَاهُ إيَّاهُ، وسَأَلَه أيّما رَجُل خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لا يُرِيْدُ إلّا الصَّلاةَ في هذا المسْجِدِ خَرَجَ مِنْ خَطِيْئَتِهِ مِثْلَ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَنَحْنُ نَرْجُو أنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ أَعْطانا إياها" (٥).

فأما (٦) الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى، فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله: ﴿وَدَاوُودَ


(١) المسند (٥/ ٧٨).
(٢) تفسير الطبري (٢٣/ ١٠٠).
(٣) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٤) وما بعدها.
(٤) أخرجه البخاري رقم (٣٤٢٥) في الأنبياء، باب قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ﴾.
(٥) أخرجه أحمد في مسنده (٢/ ١٧٦)، والنسائي (٢/ ٢٤)، في المساجد، باب فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه، وابن ماجه رقم (١٤٠٨) في إقامة الصلاة، باب ما جاء في الصلاة في مسجد بيت المقدس. وفي لفظه اختلاف يسير. وابن خزيمة (١٣٣٤). وابن حبان في صحيحه (١٦٣٣) والحاكم في المستدرك (١/ ٣٠ - ٣١).
(٦) زاد في ب: وقد روي هذا عن صحابي آخر فقال الطبراني: حدّثنا محمد بن الحسن العسقلاني، حدّثنا محمد بن أيوب بن سويد حدثني أبي، حدّثنا إبراهيم بن أبي عبلة، عن أبي الزاهرية، عن رافع بن عمير، سمعت=