للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خالك هذا -يعني شهاب الدين الحارمي- ولو رأينا الملك نور الدين لبادرنا [إِليه ولقبلنا الأرض بين يديه، وكذلك بقية هؤلاء الأمراء والجيش، ولو كتب] (١) إِليَّ أن أبعثك إِليه مع نجّاب لفعلت. ثم أمر من هنالك بالانصراف والذهاب، فلما خلا بابنه قال له: أما لك عقل؟! تذكر مثل هذا بحضرة هؤلاء، فيقول عمر مثل هذا الكلام، وتقرّه عليه!! فلا يبقى عند نور الدين وجهٌ أهمُّ من قصدك وقتالك وخراب ديارنا، ولو قد رآه (٢) هؤلاء لم يبق معك منهم واحد، ولذهبوا كلهم إِليه، ولكن ابعث إِليه، وترقَّق له، وتواضع عنده، وقل له: وأي حاجة إِلى مجيء مولانا السلطان إِلى قتالي؟! ابعث إِليَّ بنجّابٍ أو جَمّال حتى أجيء معه إِلى بين يديك. فبعث إِليه بذلك. فلما سمع نور الدين مثل هذا الكلام لان قلبه له، وانصرفت همّته عنه، واشتغل بغيره ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب: ٣٨].

وفيها: اتخذ نور الدين الحَمَام الهوادي، وذلك لامتداد مملكته واتساعها، فإِنه ملك من حدِّ النوبة إِلى همذان لا يتخلّلها إِلا بلاد الفرنج لعنهم الله (٣)، وكلهم تحت قهره وهدنته. فلذلك (٤) اتخذ في كل قلعة وحصن الحمام التي تحمل الرسائل إِلى الآفاق في أسرع مدة وأيسر عدة، وما أحسن ما قال فيهن القاضي الفاضل: الحمام ملائكة الملوك. وقد أطنب في ذلك العماد الكاتب (٥)، وأطرف وأطرب، وأعجب (٦) وأغرب، رحمه الله تعالى.

وممن توفي فيها من الأعيان:

عبد الله بن أحمد [بن أحمد بن أحمد] (٧)، أبو محمد بن الخشاب (٨):

قرأ القرآن، وسمع الحديث، واشتغل بالنحو واللغة حتى ساد أهل زمانه فيهما. وشرح "الجمل" (٩) لعبد القاهر الجرجاني، وكان رجلًا صالحًا متطوّعًا، وهذا نادر في النحاة. [كانت وفاته] (١٠) في


(١) ليس في ب.
(٢) ط: ولو قد رأى الجيش كلهم نور الدين لم يبق معك واحد منهم.
(٣) بعدها في ب: ملائكة الملوك. وفوتها (إِلى) إِشارة إِلى أن ورودها هنا خطأ.
(٤) ط: ولذلك.
(٥) سنا البرق الشامي (١/ ١١٩).
(٦) ب: وأغرب وأعجب.
(٧) عن ط وحدها.
(٨) ترجمته في المنتظم (١٠/ ٢٣٨) ومعجم الأدباء (١٢/ ٤٧) وابن الأثير (٩/ ١١٤) وإِنباه الرواة (٢/ ٩٩) ووفيات الأعيان (٣/ ١٠٢ - ١٠٤) والعبر (٤/ ١٩٦ - ١٩٧) وفوات الوفيات (٢/ ١٥٦) ومرآة الجنان (٣/ ٣٨١ - ٣٨٢) وذيل ابن رجب (١/ ٣١٦ - ٣٢٣).
(٩) سماه: المرتجل في شرح الجمل. وفيات الأعيان (٣/ ١٠٣).
(١٠) ط: توفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>