للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الجامع داثرًا فولّى نظره القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري الموصلي (١) الذي قدم به فولاه قضاء القضاة بدمشق، فأصلح أموره، وفتح المشاهد الأربعة، وقد كانت حواصل الجامع بها من حين احترقت في سنة إِحدى وستين وأربعمائة، وأضاف إِلى أوقاف [الجامع المعلومة الأوقاف] (٢) التي لا يعرف واقفوها، ولا يعرف شروطهم فيها، وجعلها قلمًا واحدًا، وسمّاه (٣): مال المصالح، ورتب عليه لذوي الحاجات والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام وما أشبه ذلك وشاكله.

وقد كان الملك نور الدين حسن الخطّ، كثير المطالعة للكتب الدينية، متَّبعًا للآثار النبويّة، محافظًا على الصلوات في الجماعات (٤)، كثير التلاوة، محبًا لفعل الخيرات، عفيف البطن والفرج، مقتصدًا في الإنفاق على نفسه وأهله وعياله في المطعم والملبس، حتى قيل: إِنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلى نفقة منه، من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا، ولم تسمع منه كلمة فحش قط، في غضب ولا رضا، صموتًا وقورًا.

قال ابن الأثير (٥): لم يكن [في ملوك الإسلام] (٦) بعد عمر بن عبد العزيز مثل ملك نور الدين ولا أكثر تحرّيًا للعدل والإنصاف منه.

كان قد استفتى العلماء في مقدار ما يحلّ له من بيت المال فكان يتناوله ولا يزيد عليه شيئًا، ولو مات جوعًا.

وكانت (٧) له دكاكين بحمص قد اشتراها مما يخصّه من المغانم، فكان يقتات منها، فزاد كراها لامرأته على نفقتها حين استقلّتها عليها.

وكان يكثر اللعب بالكرة، فعاتبه بعض (٨) الصالحين في ذلك فقال: إِنما الأعمال بالنيات، وإِنما أريد بذلك تمرين الخيل وتعليمها (٩) على الكرّ والفر، ونحن لا نترك الجهاد.

وكان لا يلبس الحرير، ويأكل من كسب يده بسيفه ورمحه، .


(١) سترد ترجمته في وفيات سنة ٥٧٢ من هذا الكتاب.
(٢) ليس في ب.
(٣) في ب، ط: وسمي.
(٤) في ب: الصلوات والجماعات.
(٥) الخبر في الكامل لابن الأثير (٩/ ١٢٥) بخلاف في الرواية.
(٦) عن أ وحدها.
(٧) في ط: وزاد امرأته من كراها على نفقتها عليها، الخبر بصيغة أخرى في الكامل لابن الأثير (٩/ ١٢٥).
(٨) في ط: رجل من كبار الصالحين.
(٩) العبارة في ط: تمرين الخيل على الكر والفر وتعليمها ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>