للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وركب يومًا مع بعض أصحابه، والشمس في ظهورهما وظلهما (١) بين أيديهما لا يدركانه، ثم رجعا فصار الظلّ وراءهما، فساق (٢) الملك نور الدين [فرسه سوقًا عنيفًا] (٣)، وجعل يلتفت وراءه وظلُّه يتبعه، ثم قال (٤) لصاحبه: أتدري ما شبَّهت هذا الذي نحن فيه؟ قد شبهت ما نحن فيه بالدنيا تهرب ممن يطلبها، وتطلب من يهرب منها، وقد أنشد بعضهم في هذا المعنى: [من الرمل] (٥)

مَثَلُ الرّزْقِ الّذي تَطْلبُهُ … مَثَلُ الظِّلِّ الَّذِي يَمْشِي مَعَكْ

أَنْتَ لَا تُدْرِكُهُ مُتَّبِعًا (٦) … فَإِذَا وَلَّيْتَ عَنْهُ تَبِعَكْ

وكان فقيهًا على مذهب أبي حنيفة، وسمع الحديث وأسمعه، وكان يكثر (٧) الصلاة بالليل من وقت السحر إِلى أن يركب، [فكان كما قيل] (٨): [من الكامل] (٩)

جَمَعَ الشَّجاعَةَ والخُشُوعَ لِرَبِّهِ (١٠) … ما أَحْسَنَ الشُّجْعَانَ (١١) في المِحْرَابِ

وكذلك كانت زوجته عصمة الدين (١٢) خاتون بنت الأتابك معين الدين أُنر تكثر القيام الليل، فنامت ذات ليلة عن وردها، فأصبحت وهي غضبى، فسألها نور الدين عن أمرها، فذكرت ما حصل لها من النوم الذي قطعها عن وردها (١٣)، فأمر نور الدين بضرب طبلخانة في القلعة وقت السحر ليوقظها وأمثالها من النوم (١٤) لقيام الليل، وأعطى الضارب على الطبلخانة أجرًا جزيلًا وجراية كثيرة: [من البسيط] (١٥)

فَأَلْبَسَ اللهُ هاتيكَ العِظامَ وَإِنْ … بَلَيْنَ تَحْتَ الثَّرى عَفْوًا وغُفْرانا

سَقَى ثَرىً أَوْدَعُوهُ رَحْمَةً مَلأَتْ … مَثْوَى قُبُورِهِمُ رُوحًا وَرَيْحانا


(١) في ط: والظل.
(٢) في ط: ثم ساق نور الدين.
(٣) عن ط وحدها.
(٤) في ط: فقال.
(٥) البيتان في الروضتن (١/ ٦).
(٦) في ط: مستعجلًا.
(٧) في ط: كثير.
(٨) عن مختصر أبي الفداء (٣/ ٥٥).
(٩) البيت في الروضتين (١/ ٦) ومختصر أبي الفداء وكامل ابن الأثير (٩/ ١٢٥).
(١٠) في ط: لديه، وهي من تصحيفات ط.
(١١) كذا في ط: الشجعان، وفي الأصل: المحراب والبيت في مختصر أبي الفداء وكامل ابن الأثير.
(١٢) سترد ترجمتها في وفيات سنة ٥٨١ من هذا الجزء.
(١٣) عبارة ط: فذكرت نومها الذي فوت عليها وردها.
(١٤) في ط: لتوقظ النائم ذلك الوقت.
(١٥) البيتان في الروضتين (١/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>