للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا بقتلٍ وصلب وضرب، وإِذا أخذ مال رجل (١) في البرية من يجيء فيشهد له؟! فكتب الملك نور الدين على ظهر الكتاب: إِن الله خلق الخلق، وشرع لهم شريعة، وهو أعلم بما يصلحهم، ولو علم أن في الشريعة زيادة في المصلحة لشرعها لنا، فلا حاجة إِلى الزيادة على ما شرعه (٢) الله تعالى، فمن زاد فقد زعم أن الشريعة ناقصة فهو يكمِّلها بزيادته، وهذا من الجرأة على الله وعلى ما شرعه، والعقول المظلمة لا تهتدي، والله سبحانه يهدينا وإِياك إِلى صراط مستقيم. فلما وصل الكتاب إِلى الشيخ عمر الملا جمع الناس بالموصل. وأقرأهم (٣) الكتاب، وجعل يقول: انظروا إِلى كتاب الزاهد إِلى الملك، وكتاب الملك إِلى الزاهد.

وجاء إِليه أخو الشيخ أبي البيان يستعديه على رجل أنه (٤) يسبّه ويرميه بأنه مراءٍ متنامس، وجعل يبالغ في شكايته (٥) منه، فقال له السلطان: أليس الله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] وقال: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] فسكت الشيخ ولم يحر جوابًا.

وقد كان نور الدين يعتقده ويعتقد أخاه أبا البيان (٦)، وأتاه زائرًا مرات، ووقف عليه وقفًا.

وقال الفقيه أبو الفتح الأشتري (٧)، معيد النظامية ببغداد، وكان قد جمع سيرة مختصرة لنور الدين قال: وكان يحافظ على الصلوات في أوقاتها في جماعة بتمام شروطها وأركانها وركوعها وسجودها (٨) وكان كثير الصلاة بالليل والابتهال (٩) في الدعاء والتضرع إِلى الله ﷿ في أموره كلها.

قال: وبلغنا عن جماعة من الصوفية ممن يعتمد على قولهم أنهم دخلوا بلاد القدس للزيارة أيام الفرنج، فسمعوا الكفار يقولون: ابن القسيم (١٠) -يعنون: نور الدين- له مع الله سر فإِنه ما يظفر وينصر (١١) علينا بكثرة جنده وجيشه، وإِنما يظفر علينا وينصر بالدعاء وصلاة الليل، فإِنه يصلي بالليل


(١) ط: أخذ إِنسان، وب: وإِذا اتخذنا إِنسان.
(٢) أ: شرع.
(٣) ط: وقرأ عليهم.
(٤) ط: أنه سبَّه ورماه بأَنَّه يرائي وأنه وأنه.
(٥) ط: الشكاية عليه.
(٦) هو نبا بن محمد المعروف بابن الحوراني، تقدمت ترجمته في وفيات سنة ٥٥١ من هذا الجزء.
(٧) اللفظة مصحفة في الأصلين وط. وفي الروضتين (١/ ١٣): بنجه بن أبي الحسن بن بنجه الأشتري.
(٨) ط: بتمام شروطها والقيام بأركانها والطمأنينة في ركوعها وسجودها.
(٩) ط: كثير الابتهال.
(١٠) ط: القسيم ابن القسيم.
(١١) عن ط وحدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>