للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فراسلوا عند ذلك القومص صاحب طرابلس (١) الفرنجي، ووعدوه بأموال جزيلة، إِن هو رَحَّلَ عنهم السلطان الناصر. وكان هذا القومص قد أسره نور الدين، وبقي معتقلًا (٢) عنده مدة عشر سنين، ثم فاداه (٣) على مئة ألف دينار وألف أسير من أسارى المسلمين، فكان لا ينساها لنور الدين، [، فركب القومص، لعنه الله، من بلده طرابلس في جيشه، فلم يتجاسر على مقاتلة السلطان] (٤)، بل قصد حمص ليأخذها بغتة، فركب إِليه السلطان الناصر (٥)، وقد أرسل سرية إِلى بلده طرابلس (٦)، فقتلوا منها، وأسروا، وغنموا، فلما اقترب السلطان الناصر منه نكص على عقبيه، وكرّ راجعًا إِلى بلده، ورأى أنه قد أجابهم إِلى ما أرادوا منه (٧)، ولما رجع صلاح الدين إِلى حمص (٨) لم يكن أخذ قلعتها في ذهابه فتصدّى لأخذها، فنصب عليها المنجنيقات [التي ملّكته إِياها قسرًا، وقهرت ساكنها قهرًا] (٩)، ثم كرّ راجعًا إِلى حلب، فأناله الله في هذه الكرّة ما طلب، فلما نزل بها كتب إِليهم القاضي الفاضل على لسان السلطان كتابًا بليغًا فصيحًا رائقًا فائقًا (١٠)، على يدي الخطيب شمس الدين (١١) يقول فيه (١٢):

"فإِذا قضى التسليم حق اللقاء، فاستدعى الإخلاص جهد الدعاء، فليَعُدَّ (١٣) وليُعِدَّ حوادث ما كان (١٤) حديثًا يُفترى، وجواري أمور إِن قال فيها كثيرًا فأكثر منه ما قد جرى، وليشرح صدرًا منها [لعله يشرح منها صدرًا] (١٥)، وليوضح الأحوال المنتشرة فإِن الله لا يُعبد سرًا [من الكامل]

وَمِنَ العَجائِبِ أَنْ تَسيرَ غَرائِبٌ … في الأرْضِ لَمْ يَعْلَم بِهَا المَأْمُولُ

كَالعِيسِ أَقْتَلُ مَا يكونُ لهَا الصَّدَى … والمَاءُ فَوْقَ ظُهورِهَا مَحْمُولُ


(١) هو ريمند بن رمنيد الصنجيلي. سترد ترجمته لفي حوادث سنة ٥٨٢ من هذا الجزء.
(٢) ط: وهو معتقل، أ، ب: وهو معتقلًا، وما هنا عن الروضتين (١/ ٢٣٨).
(٣) ط: افتدى نفسه.
(٤) ليس في ط.
(٥) عن ط وحدها.
(٦) ط: وقد أرسل السلطان إِلى بلده سرية.
(٧) أ، ب: قد أجاب ما سألوا، وحصل على ماله بذلوا إِذ نكلوا.
(٨) ط: فلما فصل الناصر إِلى حمص.
(٩) ط: فأخذها قسرًا وملكها قهرًا.
(١٠) ط: فائقًا رائقًا.
(١١) سترد ترجمته فى حوادث سنة ٥٧٢ من هذا الجزء.
(١٢) الروضتين (١/ ٢٤١).
(١٣) أ: فليعدوا.
(١٤) الروضتين: ما كانت.
(١٥) ليس في أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>