للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما تكون على ابن آدم سلَّم الله تعالى على يحيى في كلّ موطن منها فقال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾. وقال سعيد ابن أبي عَروبة، عن قتادة أن الحسن قال: إن يحيى وعيسى التقيا، فقال له عيسى: استغفر لي أنت خيرٌ مني، فقال له الآخر: استغفر لي أنت خير مني، فقال له عيسى: أنت خير مني، سلّمتُ على نفسي، وسلّم الله عليكَ، فعرف والله فضلها (١).

وأما قوله في الآية الأخرى: ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ فقيل: المراد بالحَصُور الذي لا يأتي النساء. وقيل غير ذلك وهو أشبه لقوله: ﴿هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾. وقد قال الإمام أحمد (٢): حَدَّثَنَا عفّان، حَدَّثَنَا حمّاد، أخبرنا علي بن زيد، عن يوسف بن مِهران، عن ابن عباس أن رسول اللّه قال: "ما من أحدٍ من ولد آدمَ إلَّا وقدْ أخطأ أو هَمَّ بخطيئة، لَيْس يَحْيى بن زكريا، وما ينبغي لأحدٍ يقول: أنا خَيْرٌ مِنْ يُوْنُس بن متَّى".

علي بن زيد بن جُدْعان، تكلم فيه غير واحدٍ من الأئمة، وهو منكر الحديث (٣).

وقد رواه ابن خزيمة والدارقطني من طريق أبي عاصم العبّادَاني عن علي بن زيد بن جدعان به مطولًا، ثمّ قال ابن خزيمة: وليس على شرطنا.

وقال ابن وهب: حدثني ابن لَهِيْعة، عن عُقَيْل، عن ابن شهاب قال: خرج رسول الله على أصحابه يومًا وهم يتذاكرون فضل الأنبياء، فقال قائل: موسى كليم الله. وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته. وقال قائل (٤): إبراهيم خليل الله (٥)، فقال: أين الشهيد ابن الشهيد يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. قال ابن وهب: يريد يحيى بن زكريا (٦).

وقد رواه محمد بن إسحاق، وهو مدلّس، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، حدّثني ابن العاص أنه سمع رسول اللّه يقول: "كلُّ ابن آدم يأتي يوم القيامة وله ذنْبٌ، إلا ما كان من يحيى بن زكريا" (٧).


(١) في ط: فضلهما.
(٢) المسند (١/ ٢٥٤ و ٢٩٢).
(٣) قال الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" (٣/ ١٢٨) قلت: أراه منكرًا.
(٤) كذا في ب وط. وفي أ: … روح اللّه وقائل يقول ..
(٥) زاد في ب: وهم يذكرون ذلك …
(٦) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٢٦٢). وابن لهيعة تكلّم فيه الحفاظ. لكن رواية العبادلة عنه قوية، وعبد اللّه بن وهب أحدهم (تنظر التفاصيل في "تحرير التقريب" ٢/ ٢٥٨)، على أن هذا الحديث من مراسيل الزهري، فهو ضعيف.
(٧) رواه الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٧٣)، أطول من هذا من حديث عمرو بن العاص . وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم!