للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبيلًا، فاعتصموا بالمساجد الجامعة، وأذعنوا للنازلة بأعناق خاضعة، بوجوه عانية، ونفوس عن الأهل والمال سالية (١)، ينظرون من طرف خفي، ويتوقَّعون أي خطب جلي، قد انقطعت من الحياة علقهم (٢)، وعميت عن النجاة طرقهم، ووقعت الفكرة فيما هم عليه قادمون، وقاموا إِلى (٣) صلاتهم، وودُّوا لو كانوا (٤) من الذين هم (٥) عليه دائمون، إِلى أن أذن الله بالرُّكود، وأسعف الهاجدين (٦) بالهجود، فأصبح كلٌّ يسلِّم (٧) على (٨) رفيقه ويهنيه بسلامة طريقه، ويرى أنه قد بُعث بعد النفخة، وأفاق بعد الصيحة والصرخة، وأن الله قد رد له الكرة، وأحياه بعد أن كاد يأخذه على غِرة (٩)، ووردت الأخبار بأنها قد (١٠) كسرت المراكب في البحار، والأشجار في القفار، وأتلفت خلقًا كثيرًا من السفَّار، ومنهم (١١) من فرّ فلم (١٢) ينفعه الفرار.

إِلى أن قال: ولا يحسب المجلس أني أرسلت القلم مُحَرَّفًا، والعلم مُجَوَّفًا، فالأمر أعظم، ولكن الله سلَّم، ونرجو أن الله قد أيقظنا بما به وعظنا، ونبهنا بما فيه ولهنا، فما من عباده من (١٣) رأى القيامة عيانًا، ولم يلتمس عليها من بعد (١٤) ذلك برهانًا، إِلا أهل بلدنا، فما قص الأولون مثلها في المثلات، ولا سبقت لها سابقة في المعضلات، والحمد لله الذي من فضله قد جعلنا نخبر عنها، ولا يُخْبَر عنَّا، ونسأل الله أن يصرف عنا عارض الحرص والغرور، ولا يجعلنا من أهل الهلاك والثبور.

وفيها (١٥): كتب القاضي الفاضل من مصر (١٦) إِلى الملك العادل بدمشق يحثُّه على قتال الفرنج،


(١) ب: عن المال والأهل.
(٢) أ: عقلهم وعمت.
(٣) ط: على.
(٤) ب: كانوا عليها.
(٥) ليس في ط.
(٦) أ: المهاجرين، ط: الهاجدون.
(٧) ط: مسلم.
(٨) ليس في أ.
(٩) ب: على الغرة.
(١٠) عن ط وحدها.
(١١) ليس في ب.
(١٢) ط: (فلا).
(١٣) أ، ط: إِلَّا من، الروضتين (٢/ ٢٣٢).
(١٤) ب: من بعده.
(١٥) ب: أراعنا وقد كتب.
(١٦) ب: من الديار المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>