للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليسَ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ أكرمَ على اللّهِ منْ شَجَرةٍ نَزَلَتْ تَحْتَها مَرْيَمُ بنت عمران" (١).

وكذا رواه أبو يعلى في "مسنده" (٢) عن شيبان بن فروخ، عن مسروق بن سعيد، وفي رواية مسرور بن سعد، والصّحيح مسرور بن سعيد التميمي. وأورد له ابن عدي هذا الحديث عن الأوزاعي، به، ثم قال: وهو منكر الحديث ولم أسمع بذكره إلا في هذا الحديث. وقال ابن حبان (٣): يروي عن الأوزاعي المناكير الكثيرة التي لا يجوز الاحتجاج بمن يرويها (٤).

وقوله: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾. وهذا من تمام كلام الذي نَاداها من تحتها قال: ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ أي فإن رأيت أحدًا من الناس ﴿فَقُولِي﴾ له أي بلسان الحال والإشارة: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ أي صمتًا، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام، قاله قتادة والسُّدِّي وابنُ أسلم (٥) ويدل على ذلك قوله: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ فأما في شريعتنا فَيُكْرَه للصَّائِمِ صَمْتُ يَوْمٍ إلى الليل (٦).

وقوله تعالى: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ ذكر كثير من السّلف ممن ينقل عن أهل الكتاب أنّهم لما افتقدوها من بين أظهرهم ذهبوا في طلبها، فمروا على محلّتها والأنوار حولها، فلما واجهوها وجدوا معها ولدها، فقالوا لها: ﴿يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ أي أمْرًا عظيمًا منكرًا. وفي هذا الذي قالوه نظر مع أنه كلام ينقض أوَّلَهُ آخرُه، وذلك لأن ظاهر سياق القرآن العظيم يدل على أنها حملته بنفسها وأتت به قومها وهي تحمله. قال ابن عباس: وذلك بعد ما تعلت من نفاسها بعد أربعين يوما (٧).


(١) وأخرجه ابن حبان في المجروحين (٣/ ٤٤ - ٤٥). مع خلاف يسير في اللفظ.
وأورد الحديثين متصلين السيوطي في الجامع الصغير (١/ ١٨٢ - ١٨٣). وضعفه.
(٢) مسند أبي يعلى: (١/ ٣٥٣)، رقم (٤٥٥).
(٣) الكامل في الضعفاء (٦/ ٢٤٢٥).
(٤) المجروحين (٣/ ٤٤).
(٥) وقاله غيرهم أيضًا. تفسير الطبري (١٦/ ٥٦ - ٥٧).
(٦) قال القرطبي في تفسيره (١١/ ٩٨): ذلك لا يجوز في شرعنا لما فيه من التضييق وتعذيب النفس، كنذر القيام في الشمس ونحوه، وعلى هذا كان نذر الصمت في تلك الشريعة لا في شريعتنا .. وقد أمر ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق بالكلام، وهذا هو الصحيح، لحديث أبي إسرائيل … ومن سنتنا نحن في الصيام الإمساك عن الكلام القبيح، قال : إذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم. وحديث أبي إسرائيل رواه البخاري عن ابن عباس قال: بينا رسول اللّه يخطب إذا هو برجل قائم. فسأل عنه. فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم، فقال رسول اللّه : "مُرْهُ فليتكلّم وليستظل، وليقعد، وليتم صومهُ" فتح الباري: (١١/ ٥٨٦)، رقم (٦٧٠٤) في الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي المعصية.
(٧) وهو ما قاله أيضًا ابن الكلبي. تفسير القرطبي (١١/ ٩٩).