للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أنهم لما رأَوها تحملُ معها ولدها ﴿يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ والفرْيَةُ: هي الفعْلةُ المنكرة العظيمة من الفعال والمقال (١). ثم قالوا لها: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ قيل (٢): شَبَّهُوها بعابدٍ من عُبَّادِ زمانهم كانت تُساميه في العبادة، وكان اسمه هارون. وقيل: شبَّهوها برجل فاجرٍ في زمانهم اسمه هارون، قاله سعيد بن جبير. وقيل: أرادوا بهارون أخا موسى، شبَّهوها به في العبادة. وأخطأ محمد بن كعب القرظي في زعمه أنها أخت موسى وهارون نسبًا، فإن بينهما من الدهور الطويلة ما لا يخفى على أدنى من عنده من العلم مايرده عن هذا القول الفظيع، وكأنه غره أن في التوراة أن مريم أخت موسى وهارون ضربت بالدف يوم نجّا اللّهُ موسى وقومَه وأغردتى فرعونَ وملأه، فاعتقد أن هذه هي هذه، وهذا في غاية البُطْلان والمخالفة للحديث الصحيح مع نص القرآن كما قررناه في "التفسير" (٣) مطولًا. ولله الحمد والمنة.

وقد ورد الحديث الصحيح الدال على أنه قد كان لها أخ (٤) اسمه هارون وليس في ذكر قصّة ولادتها وتحرير أمّها لها ما يدلّ على أنها ليس لها أخ سواها والله أعلم.

قال الإمام أحمد (٥): حَدَّثَنَا عبد الله بن إدريس، سمعت أبي يذكره عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة (٦) قال: بعثني رسول اللّه إلى نجران، فقالوا: أرأيت ما تقرؤون ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾، وموسى قبلَ عيسى بكذا وكذا؟! قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله فقال: "أَلَا أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُم كَانُوا يُسَمّونَ بِالأنْبِياءَ والصَّالِحِيْنَ قَبْلَهُمْ".

وكذا رواه مسلم (٧)، والنسائي (٨) والترمذي (٩) من حديث عبد الله بن إدريس، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديثه.


(١) في اللسان (فرا): الفَرِيُّ: الأمر العظيم .. مفردات الراغب الأصبهاني (٣٩٣). وتفسير الطبري (١٦/ ٥٨).
(٢) أورد الطبري معظم ما قيل في تفسير هذه الآية (١٦/ ٥٨ - ٥٩).
(٣) تفسير ابن كثير (٣/ ١١٩). والحديث الذي استدل به ابن كثير في التفسير، قوله : "أنا أولى الناس بابن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبي". وتقدم تخريج هذا الحديث (ص ٢٠٦)، (ت ١٤).
(٤) كذا في ب و ط. وفي أ: على أن لها أخ. وفيه خطأ نحوي بيّن.
(٥) المسند (٤/ ٢٥٢).
(٦) زاد في ب: عن علي، وليست ثابتةً في مسند أحمد هذه الزيادة.
(٧) صحيح مسلم رقم (٢١٣٥) في الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء.
(٨) في تفسيره (٣٥٥) وهو في الكبرى (١١٣١٥).
(٩) رقم (٣١٥٥) في تفسير القرآن، باب ومن سورة مريم.