للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظام ضنينًا به فعزم الأشرف أن يأخذ منه قطعة (١)، ثم ترك ذلك خوفًا من أن يذهب بالكلية، فقدر الله موت ابن أبي الحديد بدمشق فأوصى للملك الأشرف به، فجعله الأشرف بدار الحديث. ونقل إِليها كتبًا سنية نفيسة.

وبنى جامع التوبة بالعُقيبة، وقد كان خانًا لابن الزنجاري فيه من المنكرات شيء كثير. وبنى مسجدَ القصب وجامعَ جرّاح ومسجدَ دارِ السعادة.

وقد كان مولده في سنة ست وسبعين وخمسمئة، ونشأ بالقدس الشريف بكفالة (٢) الأمير فخر الدين عثمان الزنجاري، وكان أبوه يحبه، وكذلك أخوه المعظم، ثم استنابه أبوه على مدن كثيرة بالجزيرة منها الرُّها وحرَّان، ثم اتسعت مملكته حين (٣) ملك خلاط، وكان من أعفِّ الناس وأحسنهم سيرةً وسريرةً، لا يعرف غير نسائه وسراريه (٤)، مع أنه قد كان يعاني الشراب، وهذا من أعجب الأمور.

حكى السبط (٥) عنه قال: كنت يومًا بهذه المنظرة (٦) من خلاط إِذ دخل الخادم فقال: بالباب امرأة تستأذنُ، فدخلتْ فإِذا صورةٌ لم أرَ أحسنَ منها، وإِذا هي ابنة الملك الذي كان بخلاط قبلي، فذكرتْ أن الحاجبَ علي قد استحوذَ على قريةٍ لها، وأنها قد احتاجت إِلى بيوت الكرى، وأنها إِنما تتقوَّتُ من عمل النقوش للنساء، فأمرتُ برد ضيعتها إِليها وأمرتُ لها بدار تسكنها، وقد كنتُ قمتُ لها حين دخلتْ وأجلستُها بين يدي وأمرتُها بستر وجهها حين أسفرت عنه، ومعها عجوزٌ، فحين قضت شغلَها قلتُ لها انهضي على اسم الله تعالى، فقالت العجوز: يا خوند إِنما جاءتْ لتحظى بخدمتك هذه الليلة، فقلتُ: معاذَ الله لا يكونُ هذا، واستحضرتُ في ذهني ابنتي ربما يصيبها نظيرَ ما أصابَ هذه، فقامت [وهي تقول بالأرمني: سترك الله مثل] (٧) ما سترتني، وقلت لها: مهما كان من حاجة فانهيها (٨) إِليَّ أقضها لك، فدعت لي وانصرفت، فقالت لي نفسي: في (٩) الحلال مندوحة عن الحرام، فتزوجها، فقلت: لا والله لا كان هذا أبدًا، أين الحياء والكرم والمروءة؟


(١) أ، ب: فعزم الأشرف على أخذ قطعة منه خوفًا.
(٢) أ، ب: في كفالة.
(٣) أ، ب: حتى.
(٤) أ، ب: وجواريه.
(٥) مرآة الزمان (٨/ ٤٧٠ - ٤٧١) برواية مختلفة.
(٦) في المرآة: في هذه الطيارة. سماها مرة خرى بالمنظرة.
(٧) عن ط وحدها.
(٨) أ، ب: انهيها.
(٩) أ، ب: ففي الحلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>