للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ومات مملوك من مماليكي وترك ولدًا ليس يكون في الناس بتلك البلاد أحسن شبابًا، ولا أحلى شكلًا منه، فأحببتُه وقرَّبتُه، وكان من لا يفهم أمري يتهمني به، فاتفق أنه عدا على إِنسان فضربه حتى قتله، فاشتكى عليه إِليَّ أولياءُ المقتول، فقلت أثبتوا أنه قتله، فأثبتوا ذلك فجاحفت (١) عنه مماليكي وأرادوا إِرضاءهم بعشر ديات فلم يقبلوا، ووقفوا لي في الطريق وقالوا: قد أثبتنا أنه قتله، فقلت: خذوه فتسلموه [فأخذوه] فقتلوه، ولو طلبوا مني ملكي فداءً له لدفعته إِليهم، ولكنني استحييت (٢) من الله أن أعارض شرعه بحظ نفسي، رحمه الله تعالى وعفا عنه.

ولما ملك دمشق في سنة ست وعشرين وستمئة نادى مناديه فيها (٣) أن لا يشتغلَ أحدٌ من الفقهاء بشيء من العلوم سوى التفسير والحديث والفقه، ومَن اشتغلَ بالمنطق وعلوم الأوائل نُفي من البلد. وكان البلد به في غاية الأمن والعدل، وكثرة الصدقات والخيرات، كانت القلعة لا تُغلق في ليالي رمضان كلها، وصحون الحلاوات خارجة منها إِلى الجامع والخوانق (٤) والرُّبُط، والصالحية، وإِلى الصالحين والفقراء والرؤساء وغيرهم، وكان أكثر جلوسه بمسجد أبي الدرداء الذي جدَّده وزخرفه بالقلعة [، وكان ميمون النقيبة] (٥) ما كسرت (٦) له راية قط، وقد استدعى الزَّبيدي (٧) من بغداد حتى سمع هو والناس عليه صحيح البخاري، وغيره، وكان له ميل [كثير] إِلى الحديث وأهله، ولما توفي رآه بعض الناس (٨) وعليه ثيابٌ خضرٌ وهو يطيرُ مع جماعةٍ من الصالحين، فقال: ما هذا وقد كنت تعاني الشراب في الدنيا (٩)؟ فقال: ذاك البَدَن الذي كنّا نفعلُ به ذاك عندكم [في الدنيا]، وهذه الروح التي كنا نحبّ بها هؤلاء فهي معهم، ولقد (١٠) صدق ، قال رسول الله "المرءُ مَعَ مَنْ أَحبَّ" وقد كان أوصى بالملك من بعده لأخيه الصالح إِسماعيل، فلما توفي أخوه ركب في أُبَّهة الملك ومشى الناس بين يديه، وركب إِلى جانبه صاحبُ حمص وعزّ الدين أيبك المعظمي (١١) حامل الغاشية على رأسه، ثم إِنه صادر جماعةً من


(١) جاحفت: زاحمت. القاموس: جحف.
(٢) ط: ولكن استحييت من الله.
(٣) أ، ب: نادى مناديه بها.
(٤) أ، ب: والخوانك.
(٥) عن ط وحدها.
(٦) أ، ب: ولم تكسر.
(٧) تقدمت ترجمة الزبيدي في وفيات سنة ٦٢٩.
(٨) أ، ب: بعضهم في المنام.
(٩) أ، ب: فقال له ما هذا وقد كنت تعاني في الدنيا الشراب.
(١٠) أ، ب: وقد.
(١١) سترد ترجمة أيبك المعظمي في وفيات سنة ٦٤٥ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>