للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [الصف: ٦ - ١٤] فعيسى هو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد قام فيهم خطيبًا فبشَّرَهم بخاتم الأنبياء الآتي بعدَه، ونوَّه باسمه، وذكر لهم صفَتَه ليعرفوه ويتابعوه إذا شاهدوه، إقامةً للحُجَّة عليهم وإحسانًا من الله إليهم كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٧].

قال محمد بن إسحاق: حدّثني ثور بن يزيد، عن خالد بن مَعدان، عن أصحاب رسول الله أنهم قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك. قال: "دعوة أبي إبراهيم، وبُشْرَى عيسى. ورَأتْ أمّي حِيْنَ حَمَلتْ بي كأنّه خَرَجَ منها نورٌ أضاءَتْ لَهُ قُصورُ بُصْرَى من أرضِ الشامِ" (١).

وقد رُوي عن العِرْباض (٢) بن سارية وأبي أمامة عن النبي نحو هذا (٣)، وفيه "دعوة إبراهيم وبشرى عيسى" وذلك أن إبراهيم لما بنى الكعبة قال: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ الآية: [البقرة: ١٢٩]. ولما انتهت النبوة في بني إسرائيل إلى عيسى قام فيهم خطيبًا، فأخبرهم أن النبوة قد انقطعت عنهم، وأنها بعده في النبي العربي الأميِّ خاتم الأنبياء على الإطلاق أحمد، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم الذي هو من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل . قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الصف: ٦] يحتمل عود الضمير إلى عيسى ، ويحتمل عوده إلى محمد ، ثمّ حَرَّض تعالى عباده المؤمنين على نُصرة الإسلام وأهله، ونُصرةِ نبيه ومؤازرته ومعاونته على إقامة الدين ونشر الدعوة فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ أي من يساعدني (٤) في الدعوة إلى الله ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ وكان ذلك في قرية يُقال لها: الناصرة، فَسُمّوا بذلك النصارى. قال الله تعالى: ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ﴾ [الصف: ١٤]، يعني لما دعا عيسى بني إسرائيل وغيرهم إلى الله تعالى، منهم مَن آمن، ومنهم


(١) هو في السيرة (١/ ١٧٥). ومن طريقه أخرجه الطبري في تفسيره، والحاكم (٢/ ٦٠٠) والبيهقي في الدلائل (١/ ٨٣) وإسناده صحيح.
(٢) في ب: "روى العرباض، وعن أبي أمامة". وحديث العرباض بن سارية أخرجه أحمد (٤/ ١٢٧) ومن طريقه أبو نعيم في الدلائل (١٠)، والبخاري في تاريخه الكبير (٦/ ٦٨) وابن حبان (٦٤٠٤)، والبيهقي في الدلائل (٢/ ١٣٠) وغيرهم، وفيه سعيد بن سويد الكلبي مجهول الحال، وذكر الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة (ص ١٥٢) أن البخاري قال: لم يصح حديثه هذا، أقول: ولكن للحديث شواهد وطرق يقوى بها، منها الذي قبله.
(٣) حديث أبي أمامة أخرجه أحمد في مسنده (٥/ ٢٦٢)، وإسناده ضعيف. أقول: ويشهد له الذي قبله.
(٤) في ب مساعدي.