للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليها أهلها يطلبون منه الأمان، وشرطوا شروطًا له عليهم (١) فأبى أن يجيبهم وردَّهم خائبين وصمَّم على حصارها، ففتحها يوم السبت رابع عشر رمضان (٢) بحول الله وقوته وتأييده ونصره، وغنم منها شيئًا كثيرًا، وأطلق للأمراء أموالًا جزيلةً، ووجد من أسارى المسلمين من الحلبيّين فيها خلقًا كثيرًا، كلّ هذا في مقدار أربعة أيام. وقد كان الإفرنس (٣) صاحبها وصاحب طرابلس، من أشد الناس أذيةً للمسلمين، حين ملك التتارُ حلب وفرّ الناسُ منها، فانتقم الله سبحانه منه بمن أقامه للإسلام ناصرًا وللصليب دامغًا وكاسرًا، ولله الحمد (٤) والمنة، وجاءت البشارة بذلك مع البريدية، فجاوبتها البشائرُ من القلعة المنصورة.

وأرسل أهلُ بَغْراس (٥) حين سمعوا بقصد السلطان إليهم يطلبون منه أن يبعث إليهم من يَتَسَلَّمها، فأرسل إليهم أستاذ داره الأمير آقسنقر الفارقاني (٦) في ثالث عشر رمضان فتسلمها، وتسلموا حصونًا كبيرة (٧) وقلاعًا كثيرة.

وعاد السلطان مؤيدًا منصورًا، فدخل دمشق في السابع والعشرين من رمضان من هذه السنة في أبَّهة عظيمة وهيبة هائلة، وقد زُينت له البلد ودقَّت له البشائر فرحًا بنصرة الإسلام على الكفرة الطغام.

لكنه كان قد عزم على أخذ أراضي (٨) كثيرة من القرى والبساتين التي بأيدي ملاكها بزعم (٩) أنه قد كانت التتار استحوذوا عليها ثم استنقذها (١٠) منهم، وقد أفتاه بعض الفقهاء من الحنفية [بذلك] تفريعًا على أن الكفار إذا أخذوا شيئًا من أموال المسلمين ملكوه، فإذا استرجعت لم ترد إلى أصحابها، وهذه المسألة مشهورة وللناس فيها قولان:


(١) أ: فاشترطوا شروطًا عليهم له فأبى. وفي ب: فاشترطوا شروطًا أي عليهم فأبى.
(٢) رابع شهر رمضان، ب: رابع الشهر بعون الله.
(٣) ط: الأغريس، وفي ذيل المرآة (٢/ ٣٨٢ و ٤٤٩): الإبرنس، وفي مختصر أبي الفداء: البرنس. وما هنا عن أ ب. قال بشار: وهو الإبرنس، والعرب تقلب الباء عند الفارسية إلى فاء في بعض الأحيان.
(٤) أ: فلله الحمد، وفي ب: فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
(٥) "بَغْراس": مدينة في لحف جبل اللعام بينها وبين أنطاكية أربعة فراسخ على يمين القاصد إلى أنطاكية من حلب من البلاد المطلَّة على نواحي طرسوس. معجم البلدان (١/ ٤٦٧).
(٦) آقسنقر بن عبد الله النجمي الفارقاني الأمير شمس الدين. تقدّم عند الملك الظاهر حتى صار يستنيبه على البلاد الشامية، وظل مركزه متقدمًا حتى بعد وفاة الملك الظاهر وتولي ابنه الملك السعيد، ولكن حاشيته اعتقلته حتى مات في السجن سنة ٦٧٧. العبر (٥/ ٣١٤) والنجوم الزاهرة (٧/ ٢٨٠) والمنهل الصافي (٢/ ٤٩٤ - ٤٩٦).
(٧) أ، ب: كثيرة.
(٨) أ: عزم أراضي، وفي ب: عزم على ابتياع أراضي.
(٩) أ: يزعم.
(١٠) أ: فاستنقذها.

<<  <  ج: ص:  >  >>