للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توفي والدي في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمئة، بقرية مُجَيدل القرية (١)، ودفن بمقبرتها الشّمالية عند الزيتونة، وكنت إذ ذاك صغيرًا ابن ثلاث سنين أو نحوها، لا أُدركه إلا كالحُلُم، ثم تحوّلنا من بعده في سنة سبع وسبعمئة إلى دمشق صحبة الأخ (٢) كمال الدين عبد الوهاب، وقد كان لنا شقيقًا، وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين، فاشتغلت على يديه في العلم، فيسر الله تعالى منه ما يسّر، وسهّل منه ما تعسر. والله أعلم (٣).


(١) في ط: في قرية، وفي الدارس (١/ ٣٠١) وفيه: سميت كذلك لتمييزها عن مجيدل السويداء.
(٢) ليست في ط.
(٣) زاد في المطبوع خبرًا عن البرزالي في ترجمة والد ابن كثير، ليس في الأصول الخطِّيَّة. وقال: إنه زيادة من نسخة أخرى، لم أهتد إليها.
وهو:
وقد قال شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في معجمه فيما أخبرني عنه شمس الدين محمد بن سعد المقدسي مخرجه له، ومن خط المحدّث شمس الدين بن سعد هذا نقلت، وكذلك وقفت على خط الحافظ البرزالي مثله في السّفينة الثانية من السّفن الكبار.
قال: عمر بن كثير القرشي خطب القرية وهي قرية من أعمال بُصرى، رجل فاضل له نظم جيد ويحفظ كثيرًا من اللُّغْز، وله همة وقوة، كتبت عنه من شعره بحضور شيخنا تاج الدين الفزاري، وتوفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمئة بمجيدل القرية من عمل بُصرى.
أنشدنا الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير القرشي خطيب القرية بها لنفسه في منتصف شعبان من سنة سبع وثمانين وستمئة:
نأَى النومُ عن جَفني فبتُّ مسهَّدا … أخا كَلَفٍ حِلْفَ الصبابة موجدا
سمير الثُّريَّا والنجوم مدلَّهًا … فمِن وَلَهي خِلت الكواكب رُكَّدا
طريحًا على فُرُشِ الصبابة والأسى … فما ضركم لو كنتمُ ليَ عُوَّدا
تقلِّبني أيدي الغرام بلوعةٍ … أرى النَّار من تلقائها ليَ أبردا
ومزّقَ صبري بعد جيرَان حاجزٍ … سعيرُ غرام باتَ في القلب موقدا
فأمطرته دمعي لعلَّ زفيره … يقلُّ، فزادته الدموع توقُّدا
فبتُّ بليلٍ نابغيّ ولا أرى … على النأي من بعد الأحبّة صُعّدا
فيا لك من ليلٍ تباعد فجره … عليَّ إلى أن خِلته قد تخلّدا
غرامًا ووجدًا لا يحدّ أقله … بأهيف معسولِ المراشف أغيدا
له طلعة كالبدر زان جمالها … بطرّةِ شَعر حالك اللون أسودا
يهزُّ من القدِّ الرشيق مثقَّفًا … ويشهرُ من جفنيه سيفًا مهنَّدا
وفي وَردِ خديه وآس عذاره … وضوء ثناياه فنيت تجلُّدا
غدا كلّ حُسنٍ دونَهُ متقاصرًا … وأضحى له ربُّ الجمال موحّدا
إذا ما رنا واهتزَّ عند لقائه … سباك، فلم تملك لسانًا ولا يدا
وتسجد إجلالًا له وكرامةً … وتقسمُ قد أمسيتَ في الحسن أوحدا
وربّ أخي كفرٍ تأمّلَ حسنه … فأسلم من إجلاله وتشهّدا =

<<  <  ج: ص:  >  >>