للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الحاجة، ثم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم تكلّم على تفسير قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥]. فتكلم عن معنى العبادة والاستعانة إلى أن أذّن مؤذن العصر، بكلام يُسبي العقول وإنما قام قائمًا لأن الجمع كان كثيرًا، فانصرف الخلق عن ذلك المجلس، وقد امتلأت قلوبهم إيمانًا ويقينًا، وكل أحد يقول: لم نسمع بمثل هذا الكلام، وامتلأت القلوب له محبة، ومصرُ له ذِكرًا.
وفي يوم الخميس السادس من شهر ربيع الآخر منها عقد مجلس آخر بالمدرسة الصالحية بالقاهرة واجتمع فيه القضاة وغيرهم، وكان مما جرى في هذا المجلس أنه قيل له: تستغفر الله العظيم وتتوب إليه. فقال الشيخ: كلنا نستغفر اللّه ونتوب إليه، ثم التفت الشيخ إلى رجل منهم، فقال له: استغفر الله العظيم وتب إليه، فقال الرجل: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، وكذلك قال لآخر ولآخر، وكلهم يقول كذلك، فقيل له: تب إليَّ من كذا وكذا، وذكر له كلامًا، فقال له: إن كنت قلت كلامًا يستوجب التوبة فأنا تائب منه. فقال له قائل منهم: هذه ليست توبة، وكان من أعيانهم، فردّ عليه الشيخ وجهله، ووقع كلام يطول ذكره.
قال: ووصل كتاب من الشيخ مؤرخ بليلة الجمعة رابع عشر من الشهر المذكور، ويذكر له أنه عقد له مجلس بالصالحية ثالث، بعد خروج مُهَنّا في يوم الخميس، وأنه حصل فيه خير كثير، وأن في إقامته بمصرَ مصالح وفوائد للناس، وكتب كتابًا إلى والدته يقول فيه: من أحمد بن تيمية إلى الوالدة، أقَرَّ اللّه عينها بنِعمِه، وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من خيار إمائه وخدمه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإنا نحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلَّا هو، وهو للحمد أهل وعلى كل شى قدير، وأساله أن يُصلّي على خاتم النبيين، وإمام المتقين، محمد عبده ورسوله، ويسلّم تسليمًا كثيرًا.
كتابي إليكم عن نعم عظيمة، ومِنَنٍ كريمة، وآلاء جسيمة، نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله، ونعم الله كلما شكرت في نمو وازدياد، وأياديه جلَّت عن التعداد، وتعلمون أن مقامنا في هذه البلاد إنما هو لأمور ضرورية، متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا.
لسنا والله مختارين البعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، متى قدم ابتدأه أو كلتمه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور، فإنكم ولله الحمد لا تختارون إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهرًا واحدًا، بل كل يوم أستخير الله تعالى في السفر إليكم، واستخيروا الله لنا ولكم وادعوا لنا بالخيرة، فنسأل الله العظيم أن يقدِّر لنا ولكم وللمسلمين ما فيه الخير، في خير وعافية، وحسن عاقبة، ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير والهداية والبركة ما لم يكن يخطر بالبال، ونحن في كل وقت في ازدياد من الخير، وفي الاهتمام بالسفر مستخيرون الله، فلا يظنُّ الظَّانُّ أنا نؤثر على قربكم شيئًا من أمور الدنيا، بل ولا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجحَ منه، ولكن ثمَّ أمور كبار نخاف الضرر العام من إهمالها، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، والمطلوب كثرة الدعاء بالخيرة، فإن الله سبحانه يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، وهو علّام الغيوب.
وقد قال النبي : "من سعادة ابن آدم استخارته لله، ورضاه بما يقسم الله، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته لله، وسخطُه بما يقسم الله له".
والتاجر يكون مسافرًا فيخاف ضياع بعض ماله، فيحتاج أن يقيم حتى يستوفيَهُ، وما نحن فيه أمر يجلُّ عن الوصف، ولا حول ولا قوة إلّا بالله [العلي] العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كثيرًا، وعلى سائر من في البيت من الكبار والصغار، وسائر الجيران والأهل والأصحاب واحدًا واحدًا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.
وكتب إلى أخيه لأمه: =

<<  <  ج: ص:  >  >>