أما بعد: فقد وصل كتابكم المبشّر بوصول الكتاب إليكم، فحمدنا الله على ما أنعم به عليكم من وصول أخبار السرور إليكم، ومن حين خرجنا لم نزل في آلاء مترادفة، ونِعَم متزايدة، ومنن جازت حدَّ الأماني، بحيث يقصر الخطاب والكتاب عن تفصيل معشارها، ونِعَمٍ في زيادة، والله هو المسؤول أن يوزعَنا وسائرَ إخواننا المؤمنين شكرها، ويزيدنا من فضله، وفي مقامنا بمصر من حصول الخير والفوائد لأهل هذه البلاد وتلك، ولكم ولسائر المسلمين ما أوجب التأخر عن التعجل إليكم، فستعلمون أن ذلك من تمام نعم الله سبحانه، فإنّ في ذلك من الخير ما لم يمكن وصفه. وقد كان عقد مجلس بالمدرسة المنصورية يوم الخميس، وكان يومًا مشهودًا، كان من رحمة الله ولطفه ومنّته، وانتشار الدعاء المستجاب، والثناء المستطاب، واجتماع القلوب على ما تحبونه، وتختارونه، فوق ما كان بالشام وأعظم منه، بحيث صار عند أهل مصر من البشرى والسرور، ورجوع جماعة كثيرة من الفقهاء وغيرهم إلى الحق. وعرفوا من نعم الله علينا ما لا يُحَدُّ ولا يوصف، وظهر الحق للعامة والخاصة، ووصل الجماعة القادمون عقيب بيان ذلك يوم الجمعة، فجمع الله الشمل على أحسن حال، فالحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، والحمد لله الذي جمع قلوب المؤمنين، فأكثروا الشكر لله، والثناء عليه. وعليكم بما يجمع قلوب المؤمنين، ويُؤلف بين قلوبهم وإياكم والبطر والتفريق بين المؤمنين، فالأصل الذي يبنى عليه الاعتصام بالسنة والجماعة هو اجتماع قلوب المؤمنين بحيث لا يوجد التفريق بينهم والاختلاف بحسب الإمكان، فإن الذي صنعه الله ويصنعه في هذه القضية أمر جازَ حدَّ الأوْهام، وفات قويَّ العقول، وهو من حكم الله تعالى، والحمد لله ربّ العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا، مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحب ربّنا ويرضى، ثم ذكر السلام على الإخوان، والأخوات والأصحاب. ومنها كتاب كتب فيه بعد حمد الله والصلاة على نبيه ﷺ أما بعد: فإن الله - وله الحمد - قد أنعم عليَّ من نعمه العظيمة، ومننه الجسيمة وآلائه الكريمة وعن المحذور على المقدور، والعبد مأمور بالصبر في السراء أعظم من الصبر في الضرّاء. قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ٩ - ١١]. وتعلمون أن الله سبحانه في هذه القضية منَّ المنن التي فيها من أسباب نصر دينه، وعلو كلمته ونصر جنده وعزّة أوليائه وقوة أهل السنّة والجماعة، وإن أهل البدعة والفُرقة وتقرير ما قررناه عندكم من السنَّة وزيادات على ذلك بانفتاح أبواب الهدى والنصر، والدلائل وظهور الحق لأمم لا يُحصَوْن، وإقبال الخلائق إلى سبيل السنّة والجماعة، وغير ذلك، مع سدِّ أبوابٍ من الضلال، وبدع، وطموس سبيل الشيطان، وغير ذلك من المنن ما لا بدّ معه من عظيم الشكر. وتعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب واجتماعها وصلاح ذات البين. قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١]. ويقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]. ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: ١٠٥].