للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصوله بيوم أو يومين، فقدم الشيخ تقي الدين على السلطان في يوم ثامن الشهر وخرج مع الشيخ خلق من الإسكندرية يودِّعُونه، واجتمع بالسلطان يوم الجمعة فأكرمه وتلقّاه ومشى إليه في مجلس حافل (١)، فيه قضاة المصريين والشاميين، وأصلح بينه وبينهم، ونزل الشيخ إلى القاهرة، وسكن بالقرب من مشهد الحُسين ، والناس يتردَّدُون إليه، والأمراء والجند وكثير من الفقهاء والقضاة منهم من يعتذر إليه ويتنصل مما وقع منه، [فقال: أنا حالَلْتُ كل من آذاني] (٢).

قلت: وقد أخبرني القاضي جمال الدين بن القلانسي بتفاصيل هذا المجلس، وما وقع فيه من تعظيمه وإكرامه ممّا حصل له من الشّكر والمدح من السلطان والحاضرين من الأمراء، وكذلك أخبرني بذلك قاضي القضاة منصور الدين الحنفي، ولكن أخبار ابن القلانسي أكثر تفصيلًا، [وذلك أنه كان إذ ذاك قاضي العساكر، وكلاهما كان حاضرًا هذا المجلس] (٣)، ذكر لي أن السلطان [لما قدم عليه الشيخ تقي الدين بن تيمية] (٤) نهض قائمًا للشيخ أوّل ما رآه، ومشى له إلى طرف الإيوان واعتنقا هناك هنيهة، ثم أخذ بيده فذهب به إلى صُفّة (٥) فيها شباك إلى بستان فجلسا ساعة يتحدّثان، ثم جاءا ويد الشيخ في يد السلطان، فجلس السلطان وعن يمينه ابن جماعة قاضي مصر، وعن يساره ابن الخليلي الوزير، وتحته ابن صَصْرَى، ثم صدر الدين علي الحنفي، وجلس الشيخ تقي الدين بين يدي السُّلطان على طرف طرَّاحته، وتكلم الوزير في إعادة أهل الذمة إلى لبس العمائم البيض بالعلائم، وأنّهم قد التزموا للدِّيوان بسبعمئة ألف في كل سنة، زيادة على الحالية، فسكت الناس وكان فيهم قضاة مصر والشام وأكابر العلماء من أهل مصرَ والشَّام من جملتهم ابن الزَّمْلَكاني.

قال ابن القلانسي: وأنا في مجلس السلطان إلى جنب ابن الزَمْلَكاني، فلم يتكلم أحد من العلماء ولا من القضاة، فقال لهم السلطان: ما تقولون؟ يستفتيهم في ذلك، فلم يتكلَّم أحدٌ، فجثا الشيخ تقي الدين على ركبتيه، وتكلَّم مع السلطان في ذلك بكلام غليظ، وردَّ على الوزير ما قاله ردًا عنيفًا، وجعل يرفع صوتَه والسلطان يتلافاه ويُسْكتُه بِرِفْقٍ وتُؤَدة وتوقير. [وبالغ الشيخ في الكلام وقال ما لا يستطيع أحد أن يقوم بمثله، ولا بقريب منه] (٦)، وبالغ في التشنيع على من يوافق في ذلك. وقال للسلطان: حاشاك أن يكونَ أَوَّلُ مجلس جلسته في أُبّهة الملك تَنصُرُ فيه أهلَ الذمة [لأجل حُطام الدنيا الفانية، فاذكر نعمة الله عليك إذ ردَّ ملكك إليك، وكبت عدوَّك، ونصرك على أعدائك] (٧) فذكر أن


(١) في ط: حفل.
(٢) ليست في ب.
(٣) ليست في ب.
(٤) ليست في ب.
(٥) في ط: ثم أخذ معه ساعة إلى طبقة.
(٦) ليست في ب.
(٧) ليست في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>