للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجاشْنَكير هو الذي جدَّد عليهم ذلك، فقال: والذي فعله الجاشْنَكير كان من مراسيمك لأنه إنما كان نائبًا لك، فأعجب السلطان ذلك واستمر بهم على ذلك، وجرت فصول يطول ذكرها [وقد كان السلطان أعلم بالشيخ من جميع الحاضرين، بعلمه ودينه وقيامه] (١) بالحق وشجاعته، وسمعت الشيخ تقي الدين يذكر ما كان بينه وبين السلطان من الكلام لمَّا انفردا في ذلك الشُبَّاك الذي جلسا فيه، وأن السلطان استفتى الشيخ في قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلَّموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضهم بعزله من الملك ومبايعة الجاشْنَكير، وأنَّهم قاموا عليك وآذوك أنت أيضًا، وأخذ يحثُّه بذلك على أن يفتيه في قتل بعضهم، وإنَّما كان حنقه عليهم بسبب ما كانوا سَعَوْا فيه من عزله ومبايعة الجاشْنَكير، ففهم الشيخ مرادَ السُّلطان فأخذ في تعظيم القضاة والعلماء، وينكرُ أن يُنالَ أحدٌ منهم بسوءً وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له: إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارًا، فقال الشيخ: من آذاني فهو في حِل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي، وما زال به حتّى حلمَ عنهم السلطان وصفح.

قال: فكان (٢) قاضي المالكيَّة ابن مَخْلُوف يقول: ما رأينا مثل ابن تيمية، حَرَّضنا عليه فلم نقدر عليه وقدر علينا فصفَحَ عنَّا وحاجَجَ عنَّا، [ثم إن الشيخ بعد اجتماعه بالسلطان نزل إلى القاهرة وعاد إلى بث العلم ونشره، وأقبلت الخلق عليه ورحلوا إليه يشتغلون عليه ويستفتونه ويجيبهم بالكتابة والقول، وجاء الفقهاء يعتذرون مما وقع منهم في حقه فقال: قد جعلت الكل في حل، وبعث الشيخ كتابًا إلى أهله يذكر ما هو فيه من نعم الله وخيره الكثير، ويطلب منهم جملة من كتب العلم التي له ويستعينوا على ذلك بجمال الدين المزي، فإنه يدري كيف يستخرج له ما يريده من الكتب التي أشار إليها، وقال في هذا الكتاب: والحق كل ما له في علو وازدياد وانتصار، والباطل في انخفاض وسفول واضمحلال، وقد أذلَّ الله رقاب الخصوم، وطلب أكابرهم من السلم ما يطول وصفه، وقد اشترطنا عليهم من الشروط ما فيه عز الإسلام والسنة، وما فيه قمع الباطل والبدعة، وقد دخلوا تحت ذلك كله، وامتنعنا من قبول ذلك منهم، حتى يظهر إلى الفعل، فلم نثق لهم بقول ولا عهد، ولم نجبْهم إلى مطلوبهم حتى يصير المشروط معمولًا، والمذكور مفعولًا، ويظهر من عز الإسلام والسنة للخاصة والعامة ما يكون من الحسنات التي تمحو سيئاتهم، وذكر كلامًا طويلًا يتضمن ما جرى له مع السلطان في قَمع اليهود والنّصارى وذلهم، وتركهم على ما هم عليه من الذِّلة والصَّغار والله سبحانه أعلم] (٣).

وفي شوال أمسك السُّلطان جماعةً من الأمراء قريبًا من عشرين أميرًا (٤).

وفي سادسَ عشرَ شوّال وقع بين أهل حوران من قَيْس ويمن، فقتل منهم مقتلة عظيمة جدًّا، قُتِلَ من


(١) في ط: ودينه وزينته.
(٢) في ط: وكان.
(٣) ليست في ب.
(٤) النجوم الزاهرة (٩/ ١٣) وقد ذكر أنهم اثنان وعشر ون، وأورد ثبتًا بأسمائهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>