للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رواه في "تفسيره" (١) مرسَلاً فقال: حدّثنا بِشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أن رجلاً قال: يا رسول الله قد رأيتُ سد يأجوج ومأجوج، قال: "انعتْه لي". قال: كالبُردِ المحبَّر طريقة سواد وطريقة حمراء. قال: "قد رأيته".

وقد ذُكر أن الخليفة الواثق (٢) بعث رسلاً من جهته، وكتب لهم كتباً إلى الملوك يوصلونهم من بلاد إلى بلاد حتى ينتهوا إلى السد فيكشفوا عن خبره، وينظروا كيف بناه ذو القرنين على أي صفة؟ فلما رجعوا أخبروا عن صفته وأن فيه باباً عظيماً، وعليه أقفال، وأنه بناءٌ محكم شاهقٌ منيفٌ جدّاً، وأن بقية اللَّبِن الحديد والآلات في برج هناك، وذكروا أنه لا يزال هناك حرس لتلك الملوك المتاخمة لتلك البلاد، ومحلّته في شرقي الأرض في جهة الشمال في زاوية الأرض الشرقية الشمالية، ويقال: إن بلادهم متسعة جداً، وإنهم يقتاتون بأصناف من المعايش من حراثة وزراعة واصطياد من البر ومن البحر، وهم أمم وخلق لا يعلم عدَدَهم إلا الذي خلقهم.

فإن قيل: فما الجمع بين قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ وبين الحديث الذي رواه البخاري (٣) ومسلم (٤) عن زينب بنت جحش أم المؤمنين قالت: استيقظ رسول الله من نوم محمرَّاً وجهه وهو يقول: "لا الله إلا الله، ويلٌ لِلعربِ من شَرٍّ قَدِ اقْتَربَ، فُتحَ اليومَ من ردمِ يأجوج ومأجوج مثلُ هذه" وحلّق تسعين (٥). قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم إذا كَثُرَ الخَبَثُ ".

وأخرجاه في "الصحيحين" (٦) من حديث وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "فُتحَ اليومَ من رَدْمِ يأجوجَ ومأجوجَ مثلُ هذه" وعقد تسعين.

فالجواب: أما على قول من ذهب إلى أن هذا إشارة إلى فتح أبواب الشر والفِتن، وأن هذا استعارة محضة، وضرْبُ مثلٍ، فلا إشكال.


(١) تفسير الطبري (١٦/ ٢٠).
(٢) هو هارون بن محمد بن هارون الرشيد. ولي الخلافة سنة ٢٢٧ هـ وتوفي سنة ٢٣٢ هـ.
(٣) صحيح البخاري رقم (٣٣٤٦) في الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج، ورقم (٣٥٩٨) في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، ورقم (٥٢٩٣) في الطلاق باب الإشارة في الطلاق والأمور، ورقم (٧٠٥٩). في الفتن، باب قول النبي ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، ورقم (٧١٣٥) باب يأجوج ومأجوج.
(٤) صحيح مسلم رقم (٢٨٨٠) في الفتن، باب اقتراب الفتن.
(٥) قال ابن حجر في فتح الباري: عقد التسعين: أن يجعل طرف السبابة اليمنى في أصلها ويضمها ضماً محكماً بحيث تنطوي عقدتاها حتى تصير مثل الحية المطوقة (١٣/ ١٠٨).
(٦) في البخاري رقم (٧١٣٦) في الفتن، باب يأجوج ومأجوج.
ومسلم رقم (٢٨٨١) في الفتن، باب اقتراب الفتن. واللفظ لمسلم.