للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما على قول من جَعل ذلك إخباراً عن أمير محسوس كما هو الظاهر المتبادر، فلا إشكال أيضاً، لأن قوله: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ أي: في ذلك الزمان، لأن هذه صيغة خبر ماضٍ فلا ينفي وقوعُه فيما يستقبل بإذن الله لهم في ذلك قدراً، وتسليطهم عليه بالتدريج قليلاً قليلاً حتى يتم الأجل وينقضي الأمر المقدور فيخرجون كما قال الله تعالى: ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] ولكن الحديث الآخر أشكل من هذا، وهو ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" (١) قائلاً: حدّثنا رَوْح، حدّثنا سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، حدّثنا أبو رافع، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: " إن يأجوج ومأجوج ليَحْفِرُنَّ السدّ كل يومٍ حتى إذا كادوا يرونَ شعاعَ الشمسِ قالَ الذي عَلَيهم: ارجِعُوا فستحفرونه غداً، فيعودون إليه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتُهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس، حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاعَ الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرون غداً إن شاء الله، ويستثني، فيعودون إليه وهو كهيئته يوم تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فيستقون (٢) المياه وتتحصن الناس منهم (٣) في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث اللّه عليهم نغفاً (٤) في أقفائهم فيقتلهم بها "، قال رسول الله : " والذي نفسُ محمدٍ بيده إن دوابَّ الأرض لتسمن وتشكر شكراً من لحومهم ودمائهم ". رواه أحمد (٥) أيضاً عن حسن بن موسى عن سفيان عن قتادة.

وهكذا رواه ابن ماجه (٦) من حديث سعيد عن قتادة، إلا أنه قال: حدّث أبو رافع. ورواه الترمذي (٧) من حديث أبي عوانة عن قتادة به، ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

فقد أخبر في هذا الحديث أنهم كل يوم يلحسونه حثى يكادوا ينظرون (٨) شعاع الشمس من ورائه لرقَّته، فإن لم يكن رفع هذا الحديث محفوظاً. وإنما هو مأخوذ عن كعب الأحبار، كما قاله بعضهم، فقد استرحنا من المؤونة، وإن كان محفوظاً، فيكون محمولاً على أن صنيعهم هذا يكون في آخر الزمان


(١) المسند (٢/ ٥١٠).
(٢) في المسند: فينشفون.
(٣) قوله: منهم، زيادة من ب والمسند.
(٤) النَّغَفُ: دودٌ يكون في أنوف الإبل والغنم، واحدتها: نَغَفَةٌ. النهاية لابن الأثير.
(٥) المسند (٢/ ٥١١).
(٦) سنن ابن ماجه رقم (٤٠٨٠)، في الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى وخروج يأجوج ومأجوج، إسناده صحيح، ولكن في رفعه نكارة، ولعله من كلام كعب، كما يعنيه المصنف وينظر التعليق على ابن حبان (١٤/ حديث ٦٨٢٩).
(٧) سنن الترمذي رقم (٣١٥٣) في تفسير القرآن، باب ومن سورة الكهف.
(٨) في ط: ينذرون ..