للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾ أي وإذ فارقتموهم في دينهم وتبرَّأتم مما يعبدون من دون الله، وذلك لأنهم كانوا يشركون مع الله كما قال الخليل: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف: ٢٦ - ٢٧] وهكذا هؤلاء الفتية قالوا بعضهم بعضًا (١): إذ قد فارقتم قومكم في دينهم (٢) فاعتزلوهم بأبدانكم لتسلموا منهم أن يوصِلوا إليكم شراً ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا﴾ أي: يُسْبلْ عَلَيكُم ستره وتكونوا تحت حفظه وكنفه ويجعل عاقبةَ أمركم إلى خيرٍ، كما جاء في الحديث "اللهُمَّ أحسن عاقِبَتَنا في الأُمورِ كُلَّها، وأَجِرْنا مِن خزي الدُّنيا ومِن عذابِ الآخرة" (٣).

ثمّ ذكر تعالى صفة الغار الذي أووا إليه، وأن بابه موجَّه إلى نحو الشمال، وأعماقه إلى جهة القبلة، وذلك أنفع الأماكن أن يكون المكان قبلياً وبابه نحو الشمال، فقال: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ﴾ وقُرِئ (٤) ﴿تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ فأخبر أن الشمس -يعني في زمن الصيف وأشباهه- تشرق أوَّل طلوعها في الغار في جانبه الغربي، ثم تشرع في الخروج منه قليلاً قليلاً، وهو ازورارُها ذاتَ اليمين (٥) فترتفع في جو السماء وتتقلص عن باب الغار، ثم إذا تضيَّفت للغروب تشرع في الدخول فيه من جهته الشرقية قليلاً قليلاً إلى حين الغروب، كما هو المشاهد بمثل هذا المكان، والحكمة في دخول الشمس إليه في بعض الأحيان أن لا يفسد هواؤه ﴿وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ أي: بقاؤهم على هذه الصفة دهراً طويلاً من السنين لا يأكلون ولا يشربون ولا تتغذَّى أجسادهم في هذه المدة الطويلة من آيات الله وبرهان قدرته العظيمة.

﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ﴾ قال بعضهم: لأن أعينهم مفتوحة لئلا تفسد بطول الغمض.

﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ قيل: في كل عام يتحوَّلون مرةً من جنب إلى جنب، ويحتمل أكثر من ذلك. فالله أعلم.

﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ (قال شُعيب الجَبَائي: اسم كلبهم حَمْران. وقال غيره: الوصيد (٦):


(١) كذا العبارة في أ وب: قالوا بعضهم بعضاً. وفي ط: قال بعضهم إذ. وهو الأصح.
(٢) في ب: دينكم.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده (٤/ ١٨١) من حديث بسر بن أرطاة عن رسول الله ، وبسر مختلف في صحبته، والصحيح أنه ولد قبل وفاة النبي بستين، وذكر ابن معين أنه كان رجل سوء، وقال ابن عدي: مشكوك في صحبته، وله أفعال قبيحة معروفة (وينظر تحرير التقريب ١/ ١٦٩)، فالثابت أنه لم يسمع النبي .
(٤) هي قراءة ابن عامر. الحجة لابن زنجلة (٤١٣).
(٥) في ب: الشمال وهو سهو.
(٦) سقطت من ب بنقلة عين.