للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالكَرَك، وجرت أمور منكرة، ثم بعدها تعرَّض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها، وذلك أنهم رقهم البرد الشديد وقلة الزاد، وحاصروا أولئك شديدًا بلا فائدة، فإن البلد يُريد (١) [مُدَدًا] (٢) متطاولة ومجانيق، ويشقُّ على الجيش الإِقامة هناك في كوانين، والمنجنيق الذي حملوه معهم كُسر، فرجعوا ليتأهبوا لذلك.

ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل اللَّه كاتبًا على السر عوضًا عن أخيه القاضي شهاب الدين، ومعه كتاب الاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين (٣)، وعلى حواصل القاضي عماد الدين بن الشيرازي المحتسب، فاحتيط على أموالهما، وأُخرج من في ديارهما من الحُرَم، وضُربت الأخشاب على الأبواب، ورسم على المحتسب بالعَذْراوية، فسأل أن يحول إلى دار الحديث الأشرفية فحُوِّل إليها. وأما القاضي شهاب الدين، فكان قد خرج ليلتقي الأمير سيف الدين طَقْزدَمُر (٤) الحموي، الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشقَ وكان بحلب، وجاء هذا الأمر وهو في أثناء الطريق، فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب، ولم يدر الناس ما ذنبهما.

وفي يوم الأحد ثامن شهر رجب آخر النَّهار رجع قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي إلى دمشق على القضاء، ومعه تقليد بالخطابة أيضًا، وذهب الناس إليه للسلام عليه (٥).

ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين طقُزْدمُر الحموي بعد العصر الخامس عشر منه حلب، فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون، ودعا له الناس دعاءً كثيرًا، وأحبُّوه لبغضهم النائب الذي كان قبله، وهو علاء الدين أَيْدغْمُش سامحه اللَّه تعالى، فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الإثنين، واجتمع طائفة من العامة، وسألوه أن لا يغيِّر عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم بن جلال الدين، فلم يلتفت إليهم، بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السُّبكي الخطابة ولبس الخلعة، وأكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء، وصاروا يجتمعون حلقًا حلقًا بعد الصلواث ويكثرون الفرحة في ذلك، لما منع ابن الجلال، ولكن بقي هذا لم يباشر السُّبكي في المحراب، واشتهر عن العوام كلام كثير، وتوعَّدوا السُّبكي بالسَّفاهة عليه إنْ خطب، وضاق بذلك ذَرْعًا، ونُهُوا عن ذلك فلم ينتهوا، وقيل لهم ولكثير منهم: الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الأمر، ولو أُمِّر عليكم عبدٌ حبشي. فلم يرعَوُوا، فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال، ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع،


(١) في ط: بريد وهو غلط.
(٢) زيادة يقتضيها السّياق.
(٣) الدرر الكامنة (١/ ٣٣٣).
(٤) في ط: تغردمر وهو تحريف وأثبتنا ما في النجوم (١٠/ ٨٢).
(٥) الدرر (٣/ ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>