للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالديار المصرية الأمير حسام الدين أبو بكر بن النَّجِيْبيّ بيّض اللَّه وجهه، وقد كان مقيمًا في هذا الحين بالديار المصرية، وقد كنت رأيت عنده فُتْيا عليها خطُ الشيخ تقي الدين بن تيمية، والشيخ كمال الدين بن الزَّمْلكاني، وغيرهما في إبطال هذه البدعة، فأنفذ اللَّه ذلك وللَّه الحمد والمنة. وقد كانت هذه البدعة قد استقرت بين أَظْهر الناس من نحو سنة خمسين وأربعمئة وإلى زماننا هذا، وكم سعى فيها من فقيه وقاضٍ ومفتٍ وعالم وعابد وأمير وزاهد ونائب سلطنة وغيرهم، ولم ييسر اللَّه ذلك إلا في عامنا هذا، والمسؤول من اللَّه إطالة عمر هذا السلطان، ليعلمَ الجَهَلةُ الذين استقرَّ في أذهانهم [أنّه] (١) إذا أُبطل هذا الوقيد في عام يموت سلطان الوقت، وكان هذا لا حقيقة له ولا دليل عليه إلا مجرَّد الوهم والخيال.

وفي مستهل شهر رمضان اتّفق أمرٌ غريب لم يتفق مثله من مدة متطاولة، فيما يتعلّق بالفقهاء والمدارس، وهو أنه كان قد توفّي ابنُ النَّاصح (٢) الحنبلي بالصَّالحية، وكان بيده نصف تدريس الصَّاحبه (٣) التي للحنابلة بالصالحية، والنصف الآخر للشيخ شرف الدين (٤) ابن القاضي شرف الدين الحنبلي شيخ الحنابلة بدمشقَ، فاستنجز مرسومًا بالنصف الآخر، وكانت بيده ولاية متقدّمة من القاضي علاء الدين بن المُنَجَّى الحنبلي، فعارضه في ذلك قاضي القضاة جمال الدين المَرْدَاوي الحنبلي، وولَّى فيها نائبه شمس الدين بن مفلح، ودرَّس بها قاضي القضاة في صدر هذا اليوم، فدخل القضاة الثلاثة الباقون ومعهم الشيخ شرف الدين المذكور إلى نائب السلطنة، وأنهَوْا إليه صورة الحال، فرسم له بالتدريس، فركب القضاة المذكورون وبعضُ الحجَّاب في خدمته إلى المدرسة المذكورة، واجتمع الفضلاء والأعيان، ودرَّس الشيخ شرف الدين المذكور، وبث فضائل كثيرة، وفرح الناس.

وفي شوال كان في جملة من توجه إلى الحجّ في هذا العام نائب الديار المصرية ومدبِّر ممالكها الأمير سيف الدين بَيْبُغَا (٥) الناصري، ومعه جماعة من الأمراء، فلمَّا استقلَّ النَّاسُ ذاهبين نهض جماعة من الأمراء على أخيه الأمير سيف الدين مَنْجك، وهو وزير المملكة، وأستاذ دار الأستادارية، وهو باب الحوائج في دولتهم، وإليه يرحل ذوو الحاجات بالذَّهب والهدايا، فأمسكوه وجاءت البريدية إلى الشام في أواخر هذا الشهر بذلك (٦).


(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) هو: يوسف بن يحيى بن الناصح. ترجمته في الذيل (١/ ٢٨٣) والدرر الكامنة (٤/ ٤٨٠).
(٣) في ط: الضّاحية وهو تحريف. الدارس (٢/ ٧٩) ويقال لها: الصاحبية أيضًا.
(٤) هو: أحمد بن الحسن بن عبد اللَّه بن أبي عمر المقدسي الحنبلي بن قاضي الجبل. مات سنة ٧٧١ هـ الوفيات لابن رافع (٢/ ٣٥٤).
(٥) في ط: يلبغا.
(٦) الدرر الكامنة (٤/ ٣٦١) النجوم الزاهرة (١٠/ ٢١٨) الذيل التام (١/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>