للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصرية ودمشقَ وطرابُلُس وغيرها، والأخبار قد كتمتْ عن بَيْبُغا ومن معه ببلاد الحجاز ما يكون من أمره، ونائب دمشق في احتراز وخوف من أن يأتي إلى بلاد الشام فيدهمها بمن معه، والقلوب وجلة من ذلك، فإنَّا للَّه وإنا إليه راجعون.

وفيها ورد الخبر أن صاحب اليمن حجَّ في هذه السنة فوقع بينه وبين صاحب مكة عَجْلان بسبب أنَّه أراد أن يولّي عليها أخاه ثَقْبَة (١)، فاشتكى عَجْلان ذلك إلى أمراء المصريين، وكبيرهم إذ ذاك الأمير سيف الدين بُزْلار ومعهم طائفة كثيرة، وقد أمسكوا أخاهم (٢) بَيْبُغا وقيَّدُوه، فقويَ رأسُه عليهم واستخفَّ بهم، فصبروا حتى قُضي الحجُّ وفرغ الناس من المناسك، فلمَّا كان يوم النفر الأول يوم الخميس تواقفوا هم وهو، فقتل من الفريقين خلق كثير، والأكثر من اليمنيين، وكانت الوقعة قريبة من وادي محسِّر، وبقي الحجيج خائفين أن تكون الدائرة على الأتراك فتنهبُ الأعرابُ أموالهم وربَّما قتلوهم، ففرَّج اللَّه ونصر الأتراك على أهل اليمن، ولجأ الملك المجاهد إلى جبل فلم يعصِمْهُ من الأتراك، بل أسروه ذليلًا حقيرًا، وأخذوه مقيدًا أسيرًا، وجاءت عوامُّ الناس إلى اليمنيين فنهبوا شيئًا كثيرًا، ولم يتركوا لهم جليلًا ولا حقيرًا، ولا قليلًا ولا كثيرًا، واحتاط الأمراء على حواصل الملك وأمواله وأمتعته وأثقاله، وساروا بخيله وجماله، وأدلوا على صنديد (٣) من رحله ورجاله، واستحضروا معهم طُفَيْلًا (٤) الذي كان حاصر المدينة النبوية في العام الماضي وقيدوه أيضًا، وجعلوا الغُل في عنقه، واستاقوه كما يُستاق الأسير في وِثاقه مصحوبًا بهمِّه وحتفه، وانشمروا عن تلك البلاد إلى ديارهم راجعين، وقد فعلوا فعلةً تذكر بعدهم إلى حين.

ودخل الركب الشامي إلى دمشقَ يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من المحرم على العادة المستمرة والقاعدة المستقرة.

وفي هذا اليوم قدمت البريدية من تلقاء مدينة صفد مخبرةً بأنَّ الأمير شهاب الدين أحمد بن مشد الشربخاناة (٥)، الذي كان قد تمرّد بها وطغى وبغى حتى استحوزَ عليها وقطع سبلها (٦) وقتل الفرسان والرجَّالة، وملأها أطعمة وأسلحة، ومماليكه ورجاله، فعندما تحقَّق مسكُ بَيْبُغا أُرُوس خضعت تلك


(١) في ط: بُعيثه وهو تحريف. وأثبتنا ما في النجوم الزاهرة (١٠/ ٢٢٦) وهو: ثقبة بن رميثة بن أبي نميّ. مات سنة (٧٦٢) بمكة.
(٢) يعني الأتراك.
(٣) العبارة مضطربة. وقد تكون: وأَتَوْا على العديد من رحله ورجاله.
(٤) هو الشريف طُفَيْل بن منصور بن جمّاز. نهبَ المدينة سنة (٧٥١) هـ ثم عزل بابن عمّه سعد بن ثابت بن جماز. ومات سنة (٧٥٢) هـ. الدرر الكامنة (٢/ ٢٢٤).
(٥) في ط: الشر نجاتاه وهو تحريف.
(٦) في ط: سببها.

<<  <  ج: ص:  >  >>