للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفوس، وخمدت ناره وسكن شراره وحار بثاره، ووضح قراره، وأناب إلى النوبة والإقلاع، ورغب إلى السَّلامة والخلاص، وخشع ولات حين مناص، وأرسل سيفه إلى السلطان، ثم توجَّه بنفسه على البريد إلى حضرة الملك الناصر واللَّه المسؤول أن يُحسن عليه وأن يُقبل بقلبه إليه (١).

وفي يوم الأحد خامس صفر قدم من الديار المصرية الأمير سيف الدين أَرْغُون الكاملي معادًا إلى نيابة حلب، وفي صحبته الأمير سيف الدين طَشْبُغَا الدوادار بالديار المصرية، وهو زوج ابنة نائب الشام، فتلقَّاه نائبُ الشام وأعيان الأمراء، ونزل طَشْبُغَا الدوادار عند زوجته بدار منجى في محلَّة مسجد القَصَب التي كانت تعرف بدار حنين بن حندر، وقد جُدّدَتْ في السنة الماضية، وتوجَّها في اللَّيلة الثانية من قدومهما إلى حلب.

وفي يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الأول اجتمع القضاة الثلاثة وطلبوا الحنبلي ليتكلَّموا معه فيما يتعلق بدار المعتمد التي بجوار مدرسة الشيخ أبي عمر، التي حكم بنقض وقفها وهدم بابها وإضافتها إلى دار القرآن المذكور، وجاء مرسوم السلطان يوافق ذلك، وكان الفاضي الشافعي فد أراد منعه من ذلك، فلما جاء مرسوم السلطان اجتمعوا لذلك، فلم يحضر القاضي الحنبلي، قال حتى يجيء نائب السلطنة.

ولما كان يوم الخميس خامسَ عشرَ ربيع الأول حضر القاضي حُسَين (٢) ولد قاضي القضاة تقي الدين السّبكي عن أبيه مشيخة دار الحديث الأشرفية وقرئ عليه شيء كان قد خرَّجه له بعض المحدِّثين، وشاع في البلد أنه نزل له عنها، وتكلَّموا في ذلك كلامًا كثيرًا، وانتشر القولُ في ذلك، وذكر بعضهم أنَّه نزل له عن الغزالية والعادلية، واستخلفه في ذلك فاللَّه أعلم.

وفي سحر ليلة الخميس خامس شهر جُمادى الآخرة وقع حريق عظيم بالجوَّانيين في السوق الكبير واحترقت دكاكين الفواخرة والمناجليين وفرجة الغرابيل، وإلى درب القلى، ثم إلى قريب درب العميد، وصارت تلك الناحية دكًا بلقعًا، فإنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون. وجاء نائب السلطنة بعد الأذان إلى هناك ورسم بطفي النار، وجاء المتولّي والقاضي الشافعي والحُجّاب، وشرع الناس في طفي النار، ولو تركوها لأحرقت شيئًا كثيرًا، ولم يفقد فيما بلغنا أحدٌ من الناس، ولكن هلك للناس شيء كثير من المتاع والأثاث والأملاك وغير ذلك، واحترق للجامع من الرباع في هذا الحريق ما يساوي مئة ألف درهم. انتهى واللَّه أعلم.


(١) النجوم (١٠/ ٢٢٥).
(٢) هو: حسين بن علي بن عبد الكافي. مات سنة (٧٥٥) هـ كما سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>