للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذوا منه أنهم أخذوا منه ثلاثة آلاف درهم معاملة، وألف درهم بندقية ودينارين وزنهما ثلاثة دنانير. كذا قال لي إن كان صادقًا.

وفي صبيحة يوم السبت خامس جمادى الأولى طلب قاضي القضاة شهاب الدين (١) الحنفي للشيخ علي بن البناء، وقد كان يتكلم في الجامع الأموي على العوام، وهو جالس على الأرض شيء من الوعظيات وما أشبهها من صدره، فكأنه تعرض في غضون كلامه لأبي حنيفة ، فأُحضر فاستتيب من ذلك، ومنعه قاضي القضاة شرف الدين الكفري من الكلام على الناس، وسجنه، وبلغني أنه حكم بإسلامه وأطلقه من يومه، وهذا المذكور ابن البناء عنده زهادة وتعفف، وهو مصري يسمع الحديث ويقرؤه، ويتكلم بشيء من الوعظيات والرقائق، وضرب أمثال، وقد مال إليه كثير من العوام واستحلَوه، وكلامه قريب إلى مفهومهم، وربما أضحك في كلامه، وحاضرتُه وهو مطبوع قريب إلى الفهم، ولكنه أشار فيما ذكر عنه في شطحته إلى بعض الأشياء التي لا تنبغي أن تذكر، واللَّه الموفق، ثم إنه جلسر للناس في يوم الثلاثاء ثامنه فتكلم على عادته، فتطلبه القاضي المذكور، فيقال إن المذكور تعنَّت. انتهى واللَّه أعلم.

سلطنة الملك المنصور صلاح الدين محمد (٢): ابن الملك المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد اللَّه الصالحي وزوال دولة عمه الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون.

لما كثر طمعه وتزايدَ شرهه، وساءت سيرته إلى رعيته، وضيّق عليهم في معايشهم وأكسابهم، وبنى البنايات الجبَّارة التي لا يحتاج إلى كثير منها، واستحوذ على كثير من أملاك بيت المال وأمواله، واشترى منه قرايا كثيرة ومدنًا ورساتيق (٣)، وشقّ ذلك على الناس جدًا، ولم يتجاسر أحد من القضاة ولا الولاة، ولا العلماء ولا الصلحاء على الإنكار عليه، ولا الهجوم عليه، ولا النصيحة له بما هو المصلحة له وللمسلمين، انتقم اللَّه منه فسلَّط عليه جنده وقلب قلوب رعيته من الخاصة والعامة عليه، لما قطع من أرزاقهم ومعاليمهم وجوامكهم وأخبازهم، وأضاف ذلك جميعه إلى خاصته، فقلت الأمراء والأجناد والمقدمون (٤) والكتَّاب والموقِّعون، ومسَّ النَّاسَ الضررُ وتعدَّى على جوامكهم وأولادهم ومن يلوذ بهم، فعند ذلك قدّر اللَّه تعالى هلاكه على يد أحد خواصه وهو الأمير الكبير سيف الدين يَلْبُغَا الخَاصكي. وذلك أنه أراد السلطان مسكه فاعتدَّ لذلك، وركب السلطان لمسكه فركب هو في جيش،


(١) في ط: شرف الدين. وقد مضى ذكره.
(٢) الذيل للحسيني (٣٣٨ وما بعدها). والدرر الكامنة (٢/ ٣٨) والذيل التام (١/ ١٧٧).
(٣) في الذيل التام: وأكثر من سفك الدماء.
(٤) في الذيل التام: حتى قلَّ الأمراء من كبار المتقدمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>