للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلاقيا في ظاهر القاهرة حيث كانوا نزولًا في الوطاقات، فهزم السلطان بعد كل حساب، وقد قتل من الفريقين طائفة، ولجأ السلطان إلى قلعة الجبل، كلا ولا وزر، ولن ينجي حذر من قدر، فبات الجيش بكماله محدقًا بالقلعة، فهمَّ بالهرب في الليل على هجن كان قد اعتدها ليهرب إلى الكَرَك، فلما برز مُسك واعتُقل ودخل به إلى دار يَلْبُغَا الخاصكي المذكور، وكان آخر العهد به، وذلك في يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى من هذه السنة، وصارت الدولة والمشورة متناهية إلى الأمير سيف الدين يَلْبُغَا الخاصكي، فاتفقت الآراء واجتمعت الكلمة وانعقدت البيعة للملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي، وخطب الخطباء وضُربت السكة، وسارت البريدية للبيعة باسمه الشريف، هذا وهو ابن ثنتي عشرة، وقيل أربع عَشْرَةَ، ومن الناس من قال ستَّ عَشْرَةَ، ورُسم في عود الأمور إلى ما كانت عليه في أيام والده الناصر محمد بن قلاوون، وأن يبطل جميع ما كان أخذه الملك الناصر حسن، وأن تعاد المرتبات والجوامك التي كان قطعها، وأمر بماحضار طاز (١) وطَشْتَمُر (٢) القاسمي من سجن الإسكندرية (٣) إلى بين يديه ليكونا أتابكا (٤).

وجاء الخبر إلى دمشق صحبة الأمير سيف الدين بُزْلار شاد التربخاناة أحد أمراء الطبلخانات بمصر صبيحة يوم الأربعاء سادسَ عشر الشهر، فضربت البشائر بالقلعة وطبلخانات الأمراء على أبوابهم، وزُيّن البلد بكماله، وأُخذت البيعة له صبيحة يومه بدار السعادة وخلع على نائب السلطنة تشريف هائل، وفرح أكثر الأمراء والجند والعامة، وللَّه الأمر، وله الحكم. قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٢٦] الآية.

ووجد على حجر بالحميرية فقرئت للمأمون فإذا مكتوب:

ما اختلفَ الليلُ والنهارُ ولا … دارتْ نجومُ السماءِ في الفلكِ

إلا لنقلِ النعيم من ملك … قد زالَ سلطانهُ إلى ملكِ

ومُلكُ ذي العرشِ دائمٌ أبدًا … ليسَ بفانٍ ولا بمشتركِ (٥)


(١) في ط: طار وقد سبق ذكره.
(٢) في ط: طاشتمر.
(٣) في ط: اسنكدرية.
(٤) النجوم الزاهرة (١١/ ٤).
(٥) منها بيتان في عيون الأخبار لابن قتيبة (٢/ ٣٠٧) وفيه: حدثني أبي عن أبي العتاهية أنه قرئ له بيتان على جدار من جُدُر كنيسة القسطنطينية:
ما اختلف اللَّيل والنَّهارُ ولا … دارت نجوم السماء في الفلك
إلا بنقل السلطان عن ملك … كان يحبُّ الدنيا إلى ملك

<<  <  ج: ص:  >  >>