للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنَّ مُعانَ بن رفاعة السَّلَاميِّ قد ضعَّفه غيرُ واحدٍ من الأئمة (١). وفي بعضِ الرِّواياتِ: "عَلَيْكُمْ بالسَّوَادِ الأَعْظَمِ؛ الْحَق وأَهْلِه" (٢).

وقد كان الإمامُ أحمدُ يقولُ: السوادُ الأعظم: محمدُ بن أسلم الطوسيُّ. وقد كان أهل الحقِّ في الصدرِ الأولِ هم أكثرَ الأُمةِ؛ فكان لا يوجدُ فيهم مبتدعٌ لا في الأقوالِ ولا الأفعال، وفي الأعصارِ المتأخِّرةِ قد يجتمعُ الجمُّ الغفيرُ على بدعةٍ، وقد يخلو الحقُّ في بعْضِ الأزمانِ المتأخرةِ عن عِصَابةٍ يقومون به، كما قال في حديثِ حُذيفةَ: فإنْ لم يكنْ لهم إمامٌ ولا جَمَاعةٌ؟ قال له: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ" (٣). وكما تقدَّم الحديثُ الصحيحُ: "بَدَأَ الإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ" (٤). وسيأتي في الحديثِ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللَّهُ، اللَّهُ" (٥).

والمقصودُ أنَّه إذا ظَهَرتِ الفتنُ، فإنَّه يَسُوغُ اعتزالُ النَّاس حينئذٍ، كما ثبَت عن النبيِّ : "إذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَليْكَ بخُوَيْصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوامِّ" (٦). وفي رواية: "إذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، فَعَلَيْكَ بخَاصَّةِ نَفْسِكَ، فَإنَّ مِنْ بَعْدِكُمْ زَمَانَ الصَّبْرِ، صَبْرٌ فِيهِنَّ كَقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ" (٧).

وقد اعتزَل جماعةٌ مِن السلفِ النَّاسَ والجُمعةَ والجماعةَ، وهم أئمةٌ كبارٌ؛ كأبي ذرٍّ، وسعدِ بنِ أبي وقاصٍ، وسعيدِ بن زيْدٍ، وسلمةَ بنِ الأكوعِ في جماعةٍ من الصحابة (٨)، حتى اعتزلوا مسجدَ النبيِّ الذي الصلاة فيه بألف صلاة، واعتزل مالك الجمعة والجماعة في مسجد النبي مع معرفته الحديثَ في فضلِ الصلاةِ فيه، فكانَ لا يشهدُ جمعة ولا جماعةً، وكان إذا ليمَ في ذلك يقولُ: ما كلُّ ما يُعْلَمُ يُقَالُ. وقصتهُ معروفةٌ (٩)، وكذلك اعتزل سفيانُ الثوريُّ وخلقٌ من التابعينَ وتابعيهم؛ لِما شاهَدوه من الظلمِ والشرور والفتن خوفًا على إيمانهم أَنْ يُسْلبَ منهم،


(١) رواه ابن ماجه رقم (٣٩٥٠) وهو حديث ضعيف، دون الجملة الأولى "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة"، فهي صحيحة.
(٢) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (٨٤) وهو حديث ضعيف.
(٣) رواه البخاري رقم (٧٠٨٤) ومسلم (١٨٤٧).
(٤) رواه مسلم (١٤٥) و (١٤٦) من حديث أبي هريرة، وابن عمر.
(٥) رواه مسلم (١٤٨) وأحمد في المسند (٣/ ١٦٢).
(٦) رواه أبو داود (٤٣٤١) والترمذي (٣٠٥٨) وإسناده ضعيف.
(٧) رواه ابن ماجه (٤٠١٤) وإسناده ضعيف، لكن جملة أيام الصبر إلى آخره صحيحة بطرقها وشواهدها.
(٨) وذلك في أثناء الفتنة التي وقعت في خلافة أمير المؤمنين علي، .
(٩) المشهور أن مالكًا كان لا يصلي في المسجد النبوي لسلس البول الذي أصابه، أو لانفلات الريح.

<<  <  ج: ص:  >  >>