للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنفقة، فأرسَلَ إليه، فقال: "ما لك، ولابنةِ آلِ قَيْس؟ " قال: يا رسول اللَّه إنّ أخي طَلّقها ثلاثًا جميعًا، قالت: فقال رسول اللَّه : "انظري يا ابنة آل قيس، إنما النفقة والسُّكْنَى للمرأة على زوجها، ما كانت له عليها رَجْعَة، فإذا لم يكن له عليها رجعة، فلا نفقة، ولا سُكْنى، اخرجي، فانزلي على فُلانَة" ثم قال: "إنّه يُتحدّث إليها، انزلي على ابن أم مَكْتوم فإنّه أعمَى لا يراك" ثم قال "لا تنكْحِي حتى أكونَ أنا أُنْكحكِ". قالت: فخطبني رجل من قُريش، فأتيتُ رسول اللَّه أسْتأْمِرهُ، فقال: "ألا تَنْكِحينَ مَنْ هُوَ أحَبُّ إليّ منه؟ " فقلت: بلى، يا رسول اللَّه، فأنْكِحْنِي مَنْ أحْبَبْتَ، قالت: فأنكحَني مِنْ أسامةَ بنِ زَيْد (١).

قال: فلمّا أردتُ أن أخرج، قالت: اجلس حتى أحَدّثك حديثًا عن رسول اللَّه . قالت:

خرج رسول اللَّه يومًا من الأيام، فصلّى صلاة الهَاجِرةِ، ثم قَعَد، ففزِع الناسُ، فقال: "اجلسوا أيّها الناس، فإنّي لم أقُم مَقَامِي هذا لِفزع، ولكنّ تميمًا الداريَّ أتاني، فاخبرني خبرًا منعني من القَيْلُولةِ من الفَرح، وقُرّةِ العَيْن، فأحببتُ أن أنْشُر عليكم فرح نبيكم، أخبرني أن رهطًا من بني عمِّه ركبوا البحر، فأصابتهم ريحٌ عاصفٌ فألجأتهم الريحُ إلى جزيرة لا يعرفونها، فقعدوا في قُوَيْرب سفينة، حتى خرجوا إلى الجزيرة، فإذا هم بشيء أهْلَبَ كثيرِ الشعر، لا يدرون، أرجلٌ هو أو امرأة؟ فسلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، فقالوا: ألا تُخبرنا؟ فقال: ما أنا بمُخبركم، ولا بمُستخبركم، ولكن هذا الدَّير الذي قد رَهِقْتمُوه (٢) فيه مَنْ هو إلى خبركم بالأشواق أن يخبركم، ويستخبركم، قالوا: قلنا: ما أنت؟ قالت: أنا الجَسّاسة، فانطلقوا حتى أتوا الدير، فإذا هم برجل مُوثَقٍ شَدِيدِ الوَثاق، مُظْهِرِ الحُزْن، كثيرِ التّشَكِّي، فسلّموا عليه، فرّد عليهم، فقال: ممن أنتم؟ قالوا: من العرب، قال: ما فعلت العرب؟ أخرَجَ نَبِيُّهُمْ بَعْدُ؟ (٣) قالوا: نعم، قال: فما فعلوا؟ قالوا: خيرًا، آمنوا به، وصدقوه، قال: ذلك خير لهم، قال: فكان له عدوّ فأظهره اللَّه عليهم؟ قال: فالعرب اليوم إلههُمْ واحد، ونَبِيّهُمْ واحد، وكلمتهم واحدة؟ قالوا: نعم، قال: فما فعلت عين زغر؟ قالوا: صالحة، يشرب منها أهلها، تسقيهم ويَسْقُونَ منها زَرْعَهُمْ. قال: فما فعل نخل بين عَمَّانَ وَبيْسان؟ قالوا: صالح، يُطْعِمُ جَنَاهُ كُلَّ عامٍ، قال: فما فعلت بُحَيْرة طَبرِية؟ قالوا: ملأى، قال: فَزَفَر، ثُمّ زفر، ثم زفر، ثم حلف: لو خَرَجْتُ من مكاني هذا ما تركتُ أرضًا من أرض اللَّه إلّا وطِئْتُها، غيرَ طَيْبَةَ، ليس لي عليها سُلْطان، قال: فقال رسول اللَّه : "إلى هذا انتهى فرحي"


(١) وإسناده ضعيف بهذا السياق، صحيح المتن بالجملة بطرقه وشواهده، دون قوله: "إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت عليه رجعة".
(٢) أي دنوتم منه. انظر "تاج العروس" (رهق).
(٣) كذا في هذه الرواية: "أخَرَجَ نبيُّهم بعد؟ " وفي رواية أخرى عند أحمد في "المسند" (٤/ ٤١٣ و ٤١٨): "هل بعث فيكم النبي؟ " وهي توضح معنى رواية كتابنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>