للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؟ قالوا: ابنُ مَرْيمَ، فذهبتُ ألتَفِتُ، فإذا رجلٌ أحْمَرُ جسيم جَعْدُ الرأس، أعْوَرُ عَيْنه اليُمنَى، كأن عينه عِنَبة طَافية، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا الدجال، وأقرب الناس به شبَهًا ابنُ قَطَنٍ" قال الزُّهريّ: رجلٌ من خُزَاعةَ هَلَكَ في الجاهلية (١).

وتقدّم في حديث النَّوّاس بن سِمْعان: "فَينزلُ عند المنارة البَيْضاء، شَرِقيَّ دِمشْقَ، بين مَهْرُودَتين واضعًا كفيه على أجنحة مَلكَيْن، إذا طَاطَأ رأسَهُ قَطَرَ، وإذا رَفَعَه تحدّر منه مثل جُمَان اللؤلؤ. ولا يحلّ لكَافرٍ يجدُ رِيحَ نَفَسِه إلَّا مات، ونَفَسهُ ينتهي حيث ينتهي طَرْفُهُ" (٢).

هذا هو الأشهر في موضع نزوله، أنه على المنارة البيضاء الشرقيَّة بدمشق، وقد رأيتُ في بعض الكتب أنه ينزلُ غلى المنارة البيضاء شرقيّ جامع دمشق، فلعل هذا هو المحفوظ، وتكون الرواية: "فينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق" فتصرّفَ الراوي في التعبير، بحسب ما فهم، وليس بدمشق منارة تُعرف بالشرقيّة سوى التي إلى جانب الجامع الأموي بِدمشقَ مِن شَرقيّهِ، وهذا هو الأنسبُ والأليق، لأنه ينْزلُ وقد أقيصت الصلاةُ، فيقول له إمامُ المسلمين: "يا رُوحَ اللَّه تقدّمْ، فيقول: تقدّمْ أنت، فإنها إنما أُقيمت لَكَ" (٣).

وفي روايةٍ: "بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ أمَراءُ، تكْرِمَةُ اللَّهِ هذه الأمّة" (٤).

وقد جُدّد بناءُ منارةٍ في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبعمئة، من حجارةٍ بيضٍ، [وكان بناؤها] من أموال النصارى الذين حَرَقُوا المنارةَ التي كانت مَكانَها، ولعل هذا يكونُ من دلائل النبوّة الظاهرة، حيث قَيَّضَ اللَّهُ بناءَ هذه المنارة البيضاء من أموال النصارى، لِيَنْزلَ عيسى ابنُ مريَم عليها، فيقتلَ الخنزيرَ، ويَكْسرَ الصليبَ، ولَا يقْبَلُ مِنْهُم جِزيةً، ومن لم يُسْلِمْ قَتَلَهُ، وكذلك يكون حُكْمُه في سائر كفّار أهل الأرض يَوْمئذٍ، فإنه لا يبقى حُكْمٌ في أهل الأرض إلا له، وهذا من باب الإخبار عن المسيح بذلك، فإن اللَّه قد سوَّغ له ذلك وشرعه له، فإنّه إنما يَحْكُم بمقْتَضَى هذهِ الشَّرِيعَة المُطَهَّرةِ.

وقد روي في بعض الأحاديث كما تقدّم أنه يَنْزِلُ بِبَيتِ المَقْدِس (٥)، والأحاديث تقتضي أن الدجال يُقتَل بِلُدٍّ قبل أن يدخل بيت المقدس، فتدل على أنه لا يدخله الدجال كمكَّة والمدينة حماية له منه. وفي روايةٍ أن عيسى ينزل بالأُرْدُنّ، وفي رواية: بمُعَسكر المُسلمين، وهذا في بعض روايات مُسلم كما تقدّم، فاللَّه أعلم.


(١) رواه البخاري رقم (٣٤٤١).
(٢) رواه مسلم رقم (٢٩٣٧).
(٣) رواه ابن ماجه رقم (٤٠٧٧) من حديث أبي أمامة الباهلي وإسناده ضعيف بطوله، ولكن لهذه الجملة شواهد.
(٤) رواه مسلم رقم (١٥٦) من حديث جابر.
(٥) رواه ابن ماجه (٤٠٧٧) من حديث أبي أمامة الطويل، وإسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>