للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك، فإنّ الساعةَ كالحامل المُتِمّ لا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلادتها، ليلًا أو نهارًا؟ " (١).

وقال الإمامُ أحمد: حدّثنا محمد بن بشر، حدَّثنا محمد بن عمرو، عن ابن حَرْمَلَةَ، عن خَالتِه، قالت: خطب رسولُ اللَّه وهو عَاصِبٌ إصْبَعَهُ مِنْ لَدْغَةِ عَقْرَبِ، فقال: "إنَّكم تقولون: لا عَدُوَّ لَكُم، وإنّكم لَا تَزالُونَ تُقاتِلُونَ عَدُوًّا حَتَّى يَأْتِيَ يَأْجُوجُ ومأجُوجُ، عِراضُ الوُجوه، صِغارُ العُيون، صُهْبُ الشِّعاف (٢)، من كلّ حَدَبِ ينسِلُون، كأن وُجُوهَهُم المَجَانُّ المُطْرَقَةُ" (٣).

قلت: يَأجُوجُ ومأجوج، طائفتان من التُرْكِ كبيرتان لا يعلم عددهم إلا اللَّه سبحانه، وهم مِنْ ذُرِّيةِ آدَمَ ، كما ثَبت في الصحيح: "يقول اللَّه ﷿ يوم القيامة: يا آدمُ، فيقول: لَبّيْكَ وسَعْدَيْكَ، فيُنادي بِصْوتٍ: ابْعثْ بَعْثَ النار من ذريتك، فيقول: مِنْ كم؟ فيقول: من كُلّ ألفٍ تِسْعمئةٍ وتِسْعَةً وتسعين إلى النار، وواحدًا إلى الجَنّة، فيومئِذٍ يَشِيبُ الصغير، وتَضَعُ كلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، فيقال: أبْشِرُوا، فإنّ في يَأجوجَ ومأجُوجَ لكم فداءً وفي روايةٍ: "فيقال: إنّ فيكم أُمّتَيْنِ ما كَانتَا في شيءٍ إلَّا كَثَّرتَاهُ: يأجُوج وماجُوج" (٤) وسيأتي هذا الحديث بطرقه وألفاظه.

ثم هم من حوَّاء، وقد قال بعضهم: إنهم من آدم لا من حواء، وذلك أنّ آدم احتلم، فاختلط منِيّه بالتراب، فخلق اللَّهُ من ذلك يأجوجَ ومأجوج، وهذا مما لا دليل عليه، ولم يرد عمن يجب قبول قوله في هذا، واللَّه أعلم.

وهم من ذرّية نُوح ، من سُلالةِ يافِث بن نوح، وهو أبو التُّرك، وقد كانوا يُفْسِدُون في الأرض، ويُؤْذُونَ أهلها، فأمر اللَّه سبحانه ذا القرنين فحصرهم في مكانهم داخلَ السدِّ، إلى أن يأذنَ اللَّه تعالى في خروجهم على الناس، فيكون من أمرهم ما ذكرنا في الأحاديث.

وهم كالناس يشبهونهم، كأبناء جِنْسِهم من الترك الغُتْم (٥) المَغُول، المُخَرْزَمةِ عُيُونُهم، الذُّلْفِ أنُوفُهم، الصُّهْبِ شُعُورهم، على أشكالهم وألوانهم، ومن زعم أنّ منهم الطويل كالنخلة السَّحوق (٦) وأطول، ومنهم القصير كالشيء الحقير، ومنهم من له أُذنان يتَغَطَّى بإحداهما، ويَتَوطَّأ بالأخرى، فقد تكلّف ما لا علم له به، وقال ما لا دليل عليه، وقد ورد في حديثٍ أن أحدهم لا يموت حتى يرى مِن نَسْله ألف إنسان، فاللَّه أعلم بصحّته.


(١) رواه أحمد في المسند (١/ ٣٧٥) وابن ماجه رقم (٤٠٨١) وإسناده ضعيف.
(٢) أي حمرة الشعر مع السواد.
(٣) رواه أحمد في المسند (٥/ ٢٧١) وهو حديث صحيح.
(٤) رواه البخاري رقم (٣٣٤٨) ومسلم رقم (٢٢٢).
(٥) جمع أغتم، وهو الأعجمي الذي لا يفصح.
(٦) أي الطويلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>