للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك حين لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لم تَكُنْ آمنَتْ مِنْ قَبلُ أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خيرًا" (١).

وقال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أبو حيّان، عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير، قال: جلس ثلاثةُ نَفرٍ من المسلمين إلى مَرْوانَ بالمدينة، فسمعوه يقول وهو يُحدّث في الآيات: إن أوَّلها خروجُ الدجال، قال: فانصرف النَّفَرُ إلى عبد اللَّه بن عمرو، فحدّثوه بالذي سمعوه مِنْ مرْوانَ في الآيات، فقال عبد اللَّه: لم يَقُلْ مَرْوانُ شَيْئًا، قد حَفِظْتُ مِنْ رسول اللَّه في مثل ذلكَ حديثًا لم أنسه بعدُ: سَمعتُ رَسُولَ اللَّه يقول: "إنّ أوَّل الآياتِ طلوعُ الشمس من مغربها، وخروجُ الدابة ضُحًى، فأيَّتهُما ما كانت قبلَ صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبًا، ثم قال عبد اللَّه، وكان يقرأ الكتب: وأظن أُولاهمَا خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غَرَبَتْ أَتَتْ تَحْتَ العَرْشِ، فسجَدَتْ، واسْتَأْذَنَت في الرُّجوع، فَأُذِن لهَا في الرجوع، حتّى إذا بَدا للَّه أنْ تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبهَا فَعَلَتْ كما كانت تفْعَلُ، أتَتْ تَحْتَ العرْشِ، فسَجَدَت، فاسْتَأَذَنَتْ في الرُّجُوعِ، فلم يُرَدّ عليها شيء، ثم تستأذن في الرجوع فلا يُرَدّ عليها شيء، ثم تستأذن في الرجوع فلا يردّ عليها شيء، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء اللَّه أن يذهب، وعرفَتْ أنّه إن أُذن لها في الرجوع لم تُدْرِكِ المَشْرِقَ، قالت: ربِّ، ما أبْعَدَ المَشْرِقَ، من لي بالناس؟ حتى إذَا صار الأُفق كأنه طَوْقٌ، استأذنَتْ في الرُّجوع، فيقال لها: ارجعي من مكانك فاطلُعي، فطلعت على الناس من مغربها، ثم تلا عبد اللَّه هذه الآية ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: ١٥٨].

وقد رواه مسلم في "صحيحه"، وأبو داود، وابن ماجه، من حديث أبي حَيّان يحيى بن سعيد ابن حَيّان، عن أبي زُرعة، عن عبد اللَّه بن عمرو، قال: حَفِظتُ من رسول اللَّه حديثًا لم أَنْسَهُ بَعْدُ:. . . وذكره كما تقدم (٢).

وقد ذكرنا أن المراد بالآيات هاهنا، التي ليست مألوفةً، بل هي مُخَالفَةْ للعادَة، فخروج الدابة مخالف للعادة، لأنها تميز المؤمن من الكافر، وتُكلّمُ الناس، وهذا باهر مخالف للعادة، وطلوعُ الشمس من مغربها أمر باهر جدًّا، فالدابة أول الآيات الأرضِية، وطلوع الشمس من مغربها أول الآيات السماوية، وقد ظَنّ عبدُ اللَّه بن عمرو أنّ طلوع الشمس من مغربها مُتَقدِّمٌ على خروج الدابّة، وذلك مُحتمِل ومُناسب، فاللَّه أعلم.

وقد ورد في ذلك حديث غريب، رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في "مُعْجَمه"، فقاله: حدّثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرّقيّ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم [بن] زبريق الحمصي، حدَّثنا


(١) رواه البخاري رقم (٤٨٠٢) ومسلم (١٥٩).
(٢) رواه أحمد في المسند (٢/ ٢٠١) ومسلم (٢٩٤١) وأبو داود رقم (٤٣١٠) وابن ماجه رقم (٤٠٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>