للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ألا] فتَطَّلِعُون (١) على حَوْض الرسول على أظمإِ -واللَّه- ناهِلةٍ (٢) قطُّ رأيتها، فلعَمْرُ إلهك ما يَبْسطُ واحدٌ مِنْكُم يَدَه إلا وقع عليها قَدَحٌ يُطهِّرُهُ مِنَ الطَّوْف (٣) والبَوْل والأذَى، وتُحْبَسُ الشَّمْسُ والقَمَرُ ولا ترون منهما واحدًا قال: قلت: يا رسول اللَّه، فبم نُبْصِر؟ قال: "بمثلِ بصركَ ساعتَك هذه، وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقَتْ فِيه الأرْضُ وواجَهَتْه الجبَالُ".

قال: قلت: يا رسول اللَّه، فبم نُجْزَى مِنْ سيئاتِنا، وحَسنَاتِنَا؟ قال: "الحَسَنَةُ بِعَشر أمثالها، والسيئةُ بمثلها، إلا أنْ يَعْفُوَ" قال: قلت: يا رسول اللَّه، ما الجنة؟ وما النار؟ قال: "لَعَمْرُ إلهك إن للنار لَسَبْعَةَ أبواب، ما مِنْهن بابان إلا يَسِيرُ الراكب بينهما سبعين عامًا، وإن للجنة لثمانية أبواب، ما مِنْهُنَّ بابَان إلا يسيرُ الراكب بينهما سبْعين عامًا قال: قلت: يا رسول اللَّه، فعلامَ نطَّلِع من الجَنّة؟ قال: "على أنْهَارٍ منْ عَسَلٍ مُصَفّى، وَأَنْهارٍ مِنْ كَأْسٍ ما بِهَا مِنْ صُدَاعٍ، وَلا نَدامَةٍ، وأنهارٍ من لَبَن لم يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وفاكهةٍ لَعَمْرُ إلهك ما تَعْلَمُون، وَخَيْرٍ مِنْ مِثْلِهِ مَعَه، وَأَزْوَاجٍ مُطَهَّرَةٍ" قلت: يا رسول اللَّه، ولنا فيها أزواج؟ أوَ مِنْهُنّ مُصْلِحَاتٌ، قال: "الصالحاتُ للصالحين، تَلَذُّونَهُن مِثْل لَذاتِكُمْ في الدُّنيا وَيَلْذَذْن بكم، غير أنْ لا توالُدَ".

قال لقيط: فقلت: يا رسول اللَّه أقصى ما نحنُ بالغونَ ومُنْتهون إليه؟ فلم يجبه النبيُّ قلت: يا رسول اللَّه، علامَ أُبَايِعُكَ؟ فبسط رسول اللَّه يده، وقال: "على إقام الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وزِيالِ المشْركِ (٤)، وألّا تُشْرِك باللَّه غيرَه".

قال: قالت: وإنَّ لَنَا مَا بَيْنَ المشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ؟ فقبض النبي يده وبسط أصابعه، وظَنّ أنِّي مُشْترط شيئًا لا يُعْطِينِيهِ، قال: قلت: نَحِلُّ مِنْها حَيْثُ شِئْنا، ولا يجْني على امْرئٍ إلا نَفْسُهُ، فبسط يده وقال: "ذلك لك، تَحِلّ حَيْثُ شِئْتَ، ولا يَجْنِي عَليكَ إلَّا نَفْسُك قال: فانصرفنا، فقال: "إنَّ هذين لَعَمْرُ إلهك مِنْ أتقى الناس في الأولى والأخرى"، فقال له كعبُ بنُ الخُداريَّة، أحدُ بني بَكْر بن كِلاب: مَنْ هم يا رسول اللَّه؟ قال: "بنو المنتفق أهل ذلك" قال: فانصرفنا، وأقبلتُ عليه، فقلت: "يا رسول اللَّه، هل لأحَدٍ مِمَّن مضى خيرٌ في جَاهِلِيَّتِهمْ؟ ".

قال: فقال رجل من عُرْضِ (٥) قرَيْشٍ: واللَّه إن أباك المنتفق لفِي النارِ، قال: فلكأنَّهُ وقع حَرٌّ بَيْن جِلْدِي وَوَجْهِي ولَحْمِي مما قال لأبي على رؤوس الناس، فهَمَمْتُ أن أقول: وأبوك يا رسول اللَّه، ثم إذا الأخرى أجْمَلُ، فقلت: يا رسول اللَّه، وأهلك؟ قال: "وأهلي، لَعَمْرُ اللَّه ما أتَيْتَ عليه من قَبْر


(١) ما بين الحاصرتين مستدرك من "مسند الإمام أحمد" لإكمال معنى الكلام.
(٢) الناهلة: الذاهبة إلى المنهل للشرب.
(٣) أي من الخائط.
(٤) أي مفارقته.
(٥) أي من عامة قريش، وليس من خاصتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>