للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ (١) [الأنبياء].

وقال أبو بكر بن أبي الدُّنيا: أخبرنا أبو حفص الصفّار، حدّثنا جعفر بن سليمان، حدثنا إبراهيم بن عيسى اليشكري: بلغنا أنّ المؤمن إذا بُعث من قبره تَلَقّاه ملكان، مع أحدهما دِيباجَةٌ، فيها بَرَدٌ ومِسْك، ومع الآخر كوبٌ من أكواب الجنَّةِ فيه شراب، فإذا خرج من قبره خَلَط المَلَك ذلك البرَدَ بالمِسْكِ فرَشّهُ علَيْهِ وصَبَّ لهُ الآخرُ شَرْبةً، فيناوله إيّاها، فيَشْرَبُها، فلا يَظْمأ بَعْدَها أبدًا، حتَّى يَدخُلَ الجَنَّةَ، فأما الأشقياءُ، والعياذ باللَّه، فقال اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف].

وذكرنا في "التفسير": أنّ الكافر إذا قام من قبره أخذ بيده شيطانُه، ويلزمَهُ فلا يفارقه، حتى يُرْمى بهما في النَّار، وهكذا كل فاجر وفاسق غافل عن ذِكر اللَّه مضيِّع لأمره، وقال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ [ق: ٢١] أي مَلَكٌ يَسُوقُه إلى الْمَحْشَرِ، وآخَرُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بأعمالِه، وهذا عامّ في الأبرار والفُجَّار، وكلٌّ بِحَسَبَه ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾ أي: أيها الإنسان الغافل عما خلق له ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: ٢٢] أي: نافذٌ قويّ حادٌّ ﴿وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ [ق: ٢٣] أي: هذا الذي جئتُ به هو الذي وُكِّلْتُ به، فيقول اللَّه تعالى عند ذلك للسائق والشهيد: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ﴾ [ق: ٢٤ - ٢٥] أي: ليس فيه خير ويمنع غيره من الخير، ومع ذلك هو مُريب، أي: هو في شك ورَيْب. ثم انتقل إلى من هو متلبِّس بأعظم من ذلك، وقد تجتمع في العبد هذه الأربعة المذمومة المقبوحة التي هي أقبح الخصال، وأعظمها وأقبحها الشرك باللَّه، فقال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ. . .﴾ الآيات، إلى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. . .﴾ الآيات [ق: ٢٦ - ٣١].

وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى هو ابن سعيد القَطّان، عن ابن عَجْلان، عن عمرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ قال: "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القيامةِ أمْثَالَ الدَّرِّ في صُوَر الناس، يعلوهمِ كلُّ شيءٍ مِن الضَغَارِ، حَتَّى يَدْخُلوا سِجْنًا في جَهَنَّمَ، يقال له: بُولَس فتعلوهم نار الأنْيارِ (٢)، فيُسْقَون من طينةِ الْخَبَالِ عُصَار أهْلِ النَّارِ". ورواه الترمذي والنسائي جميعًا، عن سُوَيْد بن


(١) رواه ابن أبي الدنيا في "الأهوال" (١٠٧) ورواه الطبراني في "الأوسط" (٩٤٧٨) وإسناده ضعيف.
(٢) أي نار النيران.

<<  <  ج: ص:  >  >>