للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن المبارك، عن سفيان، عن رجل، عن خالد بن مَعْدَان، قال: قالوا: ألَمْ يَعِدنا رَبُّنا أنّا نَرِدُ النَّار؟ فيقول: إنّكم مَررْتُمْ عليها وهي خامدة.

وفي رواية عن خالد بن مَعْدان، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنّة قالوا: ألم يَقُلْ رَبُّنا: إنَّا نَرِدُ النار؟ فيقال: إنّكم وَردْتُموها، فألْفَيْتُموها رَماداً.

وقال ابن جرير: حدّثنا يعقوب، حدّثنا ابن عُلَيَّة، عن الجُرَيْريّ، عن أبي السَّليل، عن غُنَيْم بن قَيْس، قال: ذكروا ورود النار، فقال [كعب]: تُمثَّل النارُ للناسِ كأنّها مَتْنُ إهالة (١)، حتى يَسْتَوي عليها أقْدامُ الخَلائِق، بَرِّهِم وفَاجِرِهم، ثُمَّ يناديها مُنادٍ: أن أمْسكي أصْحَابك، وَدَعي أصحابي، قال: فتَخسِف بهم بكُلّ وَليٍّ لها، فلَهيَ أعْلَم بهم من الرَّجُل بِوَلَده، ويَخْرُج المؤمنون منها نديَّةً ثيابُهُم. ورُوي مثلهُ عنه أيضاً.

وقال أحمد: حدّثنا محمد بن إدريس، حدّثنا الأعمش، عن أبي سُفْيَان، عن جابر، عن أم مُبَشّر، امرأةِ زيد بن حَارِثَةَ، قالت: كان رسول الله في بيت حَفصَةَ، فقال: " لا يَدْخُلُ النارَ أحدٌ شَهدَ بَدْراً والحُدَيبية " قالت حفصة: ألَيْسَ اللهُ تعالى، يقول: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] قالت: قال رسول الله : " فمَه؟ ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ﴾ [مريم: ٧٢] ".

ورواه أحمد أيضاً، عن أبي مُعاوية، عن الأعمش، عن أبي سُفْيان، عن جابر، عن أمِّ مُبَشّر، عن حَفْصة، عن النبيّ … فذكر مثله. ورواه مسلم من حديث ابن جُرَيْج، عن أبي الزُّبَيْر، سمع جابراً عن أمِّ مُبَشِّر … فذكر نحوه، وقد تقدَّم (٢).

وسيأتي في أحاديث الشفاعة كيفيَّةُ جَوازِ المؤمنين على الصراط، وتفاوُتُ سَيْرِهم عليه، بحسب أعمالهم، وقد تقدم من ذلك جانب، وتقدّم عنه أنه أوّلُ الأنبياء إجازةً بأمَّتِه على الصراط.

وعن عبد الله بن سَلامٍ قال: محمَّدٌ أوَّلُ الرُّسُلِ إجازةً على الصراط، ثم عيسى، ثم موسى، ثم إبراهيم، حتى يكون آخرهم إجازةً نوحٌ ، قال: فماذا خَلَص المؤمنون من الصراط تلقّتهم الخَزَنةُ يَهدونَهُمْ إلى الْجنَّة.

ثم إذا خلصوا من الصراط، وأتوا على آخره، فليس بعد ذلك إلا دخول الجنة، كما سيأتي. وثبت في الصحيح: "من أنفق زَوْجين في سَبيل الله دَعَتْهُ خَزَنةُ الْجَنَّةِ: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعيَ من بَابِ الصلاة، ومنْ كانَ من أهْلِ الزكاة دُعيَ من باب الزكاة، ومن كان من أهل الصِّيام دُعيَ من باب الرَّيَّانِ" فقال أبو بكر: والله يا رسول الله، ما على أحدٍ يُدْعى من أيِّها


(١) المتن: الظهر. والإهالة: ما يؤتدم به من الأدهان.
(٢) رواه أحمد في المسند (٦/ ٣٦٢) و (٢٨٥) ومسلم رقم (٢٤٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>