للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَجْريان، فعَمَدُوا إلى إحداهما، فكأنّما أُمروا بها، فَشربُوا منها، فأذهبت ما في بطونهم من قَذى أو أذى، أو بأس، أو غِلٍّ، ثم عَمدُوا إلى الأخرى، فتَطَهَّرُوا منها، فجَرتْ عليهم نَضْرةُ النَّعيم، ولم تَغيَرَّ اْشعارُهم بعدَها أبداً، ولا أبشارهم، ولم تَشْعَثْ رُؤوسهم، كأنّما دُهنُوا بالدِّهان، ثم انتهوا إلى الْجنَّةِ، فقالوا: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣] ثم تَلْقَاهُمُ الوِلْدانُ فيُطيفُونَ بهم كما يُطيفُ وِلْدانُ أهل الدُّنيا بالحَميم يَقْدَمُ عليهم، يقولون: أبْشرُوا بما أعَدَّ الله لكم من الكرامة، ثمّ يَنْطلق غلامٌ من أولئك الوِلْدانِ إلى بَعْضِ أزواجه من الْحُورِ العين، فيقول: جاء فُلانٌ باسمه الذي كان يُدْعَى به في الدُّنيا، قالت: أنْتَ رأيْتَه؟ قال: نعم أنا رَأَيْتُهُ، وَهُوَ بإثْرِي، فيَسْتخفُّ إحدَاهُنَّ الفَرَحُ، حتّى تَقُومَ على أُسْكُفَّةِ بَابِها، فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بُنْيانِه فإذا جَنْدَلُ اللُؤلؤ، فوقه صَرْحٌ أحْمرُ وَأخْضرُ وأصْفرُ من كلِّ لون، ثم رفع رأسه، فنظر إلى سقفه، فإذا مثلُ البَرْق، ولولا أنَّ الله قَدَّر ألّا يذهب بصره لألمَّ أن يَذْهب ببصره، ثم طَأْطَاَ رَأْسَهُ، فإذا أزواجُه، ﴿وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ [الغاشية: ١٤ - ١٦] ثم اتَّكؤوا: فقالوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣] ثم ينادي مُنادٍ: تَحْيَوْنَ فلا تَمُوتون أبداً، وتُقيمُونَ فلا تَظْعَنُونَ أبداً، وتَصِحُّونَ فَلا تَمْرَضُونَ أبداً (١).

وهذا الأثرُ يقتضي أن تغيير الشّكْل من الحال الذي كان الناسُ عليه في الدُّنيا إلى طول ستين ذِرَاعاً، وعَرْض سَبْعَة أذْرُع، كما هي صفة كُلِّ منْ دَخل الجنة، من صغير وكبير كما ورد به الحديث، يكون عند هاتين العينين اللَّتَيْن يَغْتسلُون من إحداهما، فتجري عليهم نضرة النعيم، ويشربون من الأخرى فتَغْسلُ ما في بُطونهم من الأذَى، فيتجدد لهم الطول والعرض، وذهاب الأذى وجريان نَضْرة النَّعيم، بعد الغسل والشرب، وهذا أنسب وأقرب ممَّا جاء في الحديث المتقدّم، أنّ ذلك يكون في عَرَصاتِ القيامة، وهو ضعيف الإسناد، وأبْعَد من هذا مَنْ زَعَمَ أن ذلك يكون عند الخروج من القبور، لما يُعارضه من الأدلة الدالة على خلاف ذلك، والله أعلم.

وقال عبد الله بن المبارك: حدّثنا سُلَيْمان بن المُغيرة، عن حُمَيْد بن هلال، فال: ذُكرَ لنا أن الرجل إذا دَخَل الجَنّة صُوِّر صُورَة أهْلِ الْجَنّة، وأُلْبسَ لباسَهُمْ، وحُلِّي حِلْيتَهُمْ، وأُريَ أزواجه وخَدَمه، يأخذه سُوَارُ فَرَحٍ (٢)، لو كان ينبغي له أن يَمُوتَ لماتَ من شدة سُوَارِ فرَحِه، فيقال له: أرأيتَ سُوارَ فَرَحك هذا، فإنّه قائم لك وباقٍ أبداً.

وقال ابن المبارك: حدّثنا رِشْدِينُ بن سَعْد، عن زُهْرة بن معبد القُرَشي، عن أبي عبد الرحمن


(١) "الجعديات" (٢٥٨٠) وفي إسناده ضعف.
(٢) أي دب فيه الفرح دبيب الشراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>